ولما كان التقدير بالكيل أو الوزن؛ من جملة الأمانات الخفية؛ كالتصرف لليتيم؛ وكان الائتمان عليه كالمعهود فيه؛ أتبعه قوله:
وأوفوا الكيل ؛ أي: نفسه؛ فإنه أمر محسوس؛ لا يقع فيه إلباس واشتباه; ولما كان صالحا لمن أعطى؛ ومن أخذ؛ قال:
إذا كلتم ؛ أي: لغيركم؛ فإن اكتلتم لأنفسكم؛ فلا جناح عليكم إن نقصتم عن حقكم؛ ولم توفوا الكيل؛
وزنوا ؛ أي: وزنا متلبسا
بالقسطاس ؛ أي: ميزان العدل؛ الذي هو أقوم الموازين؛ وزاد في تأكيد معناه؛ فقال (تعالى):
المستقيم دون شيء من الحيف؛ على ما مضى في الكيل؛ سواء؛
ذلك [ ص: 413 ] أي: الأمر العالي الرتبة؛ الذي أمرناكم به؛
خير ؛ لكم في الدنيا؛ والآخرة؛ وإن تراءى لكم أن غيره خير؛
وأحسن تأويلا ؛ أي: عاقبة في الدارين؛ وهو "تفعيل" من الأول؛ وهو الرجوع؛ وأفعل التفضيل هنا لاستعمال النصفة؛ لإرخاء العنان؛ أي: على تقدير أن يكون في كل منهما خير؛ فهذا الذي ذكرناه أزيد خيرا؛ والعاقل لا ينبغي أن يرضى لنفسه بالدون.