ولما أمره - سبحانه - بإبلاغهم هذا الكلام؛ وفيه من التهكم بهم؛ والتبكيت لهم؛ والاستخفاف بعقولهم؛ ما لا يعلم مقداره إلا مثلهم من البلغاء؛ والعرب العرباء؛ وكان - لكونه كلام العليم بالعواقب؛ الخبير بما تجن الضمائر - ربما استن به المؤمنون؛ فخاطبوهم بنحوه من عند أنفسهم؛ نهاهم عن ذلك؛ لئلا يقولوا ما يهيج شرا؛ أو تثير ضرا؛ فقال (تعالى):
وقل ؛ أي: قل لهم ذلك؛ من الحكمة؛ والموعظة الحسنة؛ وقل
لعبادي ؛ أي: الذين هم أهل للإضافة إلي؛ واعظا لهم؛ لئلا يتجاوزوا الحد من شدة غيظهم من المشركين؛ إن تقل لهم ذلك؛
يقولوا ؛ الموعظة؛ والحكمة؛ والمجادلة؛
التي هي أحسن ؛ لأكون معهم؛ لأني مع الذين اتقوا؛ والذين هم محسنون; ثم علل ذلك بقوله (تعالى):
إن الشيطان ؛ أي: البعيد من الرحمة؛ المحترق باللعنة؛
ينـزغ بينهم ؛ أي: يفسد؛ ويغري؛ ويوسوس؛ وأصل "النزغ": الطعن؛ وهم غير معصومين؛ فيوشك أن
[ ص: 442 ] يأتوا بما لا يناسب الحال؛ أو الوقت؛ بأن يذكروا مساوئ غيرهم؛ أو محاسن أنفسهم؛ فيوقع في شر; ثم علل هذه العلة بقوله (تعالى):
إن الشيطان كان ؛ أي: في قديم الزمان؛ وأصل الطبع؛ كونا هو مجبول عليه؛
للإنسان عدوا ؛ أي: بليغ العداوة؛
مبينا ؛