ولما تقدم أنهم استبعدوا الإعادة من أجل صيرورتهم بعد الموت رفاتا؛ وأخبر (تعالى) بقدرته على ذلك؛ ولو صاروا إلى ما هو أعسر عندهم في الإعادة من الرفات؛ بأن يكونوا حجارة؛ أو حديدا؛ وأشار إلى قدرته على التصرف بخرق العادة في الحديد؛ بإلانته لعبد من عبيده؛ ثم في الحجارة على سبيل الترقي في النشر المشوش؛ بما هو أعجب من ذلك؛ وهو إفاضة الحياة عليها لعبد آخر من عبيده؛ أشار إلى تصرفه في التراب؛ الذي هو نهاية الرفات؛ الذي حملهم على الاستبعاد بما هو أعجب من كل ما تقدمه؛ وذلك بإفاضة الحياة الكاملة بالنطق عليه؛
[ ص: 462 ] من غير أن تسبق له حالة حياة أصلا؛ وذلك بخلق
آدم - عليه السلام - الذي هو أصلهم؛ مع ما في ذلك من حفظ السياق في التسلية بأن الآيات لا تنفع المحكوم بشقاوته؛ وبأن
آدم - عليه السلام - قد سلط عليه الحاسد؛ واشتد أذاه له؛ مع أنه صفي الله؛ وأول أنبيائه؛ مع البيان لأن أغلب أسباب الطغيان الحسد؛ الذي حمل إبليس على ما فعل؛ فقال (تعالى):
وإذ ؛ أي: واذكر أيضا ما وقع من الطغيان؛ مع رؤية الآيات؛ في أول هذا الكون؛ من إبليس؛ الذي هو من أعلم الخلق بآيات الله؛ وعظمته؛ ثم ممن اتبعه من ذرية
آدم - عليه السلام - بعد تحقق عداوته؛ في مخالفة ربهم المحسن إليهم؛ مع ادعاء ولايته؛ إذ
قلنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛ التي لا يعصي مرادها شيء؛
للملائكة ؛ حين خلقنا أباكم آدم؛ وفضلناه؛
اسجدوا لآدم ؛ امتثالا لأمري؛
فسجدوا إلا إبليس ؛ أبى أن يسجد؛ لكونه ممن حقت عليه الكلمة؛ ولم ينفعه ما يعلمه من قدرة الله؛ وعظمته؛ وذلك معنى قوله:
قال ؛ أي: لنا؛ منكرا؛ متكبرا؛
أأسجد ؛ أي: خضوعا؛
لمن خلقت ؛ حال كون أصله؛
[ ص: 463 ] طينا ؛ فكفر بنسبته لنا إلى الجور؛ وعدم الحكمة؛ متخيلا أنه أكرم من
آدم - عليه السلام -؛ من حيث إن الفروع ترجع إلى الأصول؛ وإن النار التي هي أصله أكرم من الطين؛ وذهب عليه أن الطين أنفع من النار؛ فهو أكرم؛ وعلى تقدير التنزل فإن الجواهر كلها من جنس واحد؛ والله (تعالى)؛ الذي أوجدها من العدم؛ يفضل بعضها على بعض؛ بما يحدث فيها من الأعراض؛ كما تقدمت الإشارة إليه في
ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض