وقلنا ؛ أي: بما لنا من العظمة التي لا يتعاظمها شيء؛.
ولما كان هذا القول غير مستغرق لزمان البعد؛ أثبت الجار؛ فقال (تعالى):
من بعده ؛ أي: الإغراق؛
لبني إسرائيل ؛ الذين كانوا تحت يده أذل من العبيد؛ لتقواهم؛ وإحسانهم؛
اسكنوا الأرض ؛ أي: مطلق الأرض؛ إشارة إلى أن
فرعون كان يريد محوهم عن الأرض؛ أو إلى أن سكناهم مع وجوده كانت عدما؛ لما بهم من الذل؛ والأرض التي أراد أن يستفزهم منها؛ وهي أرض
مصر؛ أي: صيروا بحيث تسكنونها؛ لا يد لأحد عليكم؛ ولا مانع لكم مما تريدون منها؛ كما كان
فرعون وجنوده؛ إذا شئتم؛ مملكين فيها بعد أن كنتم عبيدا تسامون سوء العذاب؛
فإذا جاء ؛ أي: مجيئا محققا؛
وعد الآخرة ؛ أي: القيامة؛ بعد أن سكنتم الأرض أحياء؛ ودفنتم فيها أمواتا؛
جئنا ؛ أي: بما لنا من العظمة؛
بكم ؛ منها؛
لفيفا ؛ أي: بعثناكم وإياهم مختلطين؛ لا حكم لأحد على آخر؛ ولا دفع لأحد عن آخر؛ على غير الحالة التي كانت في الدنيا؛ ثم ميزنا
[ ص: 530 ] بعضكم عن بعض؛ ونعمنا الطيب منكم بإهانة الخبيث.
إن يسأل بنو إسرائيل - الذين يقبل هؤلاء المشركون الجهلة كلامهم؛ ويستنصحونهم في أمورهم - عن هذا الذي تلوناه عليك يخبروا به؛ كما أخبرناك؛ فيثبت حينئذ عندهم أمر الآخرة؛ وإلا كان قبولهم لبعض كلامهم؛ دون بعض؛ بغير دليل؛ تحكما؛ وترجيحا من غير مرجح.