ولما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم شديد الحرص على إيمانهم كثير الأسف على توليهم عنه يكاد يبخع نفسه حسرة عليهم وكانوا يقولون [له -] إذا رأوا مثل هذا الحق الذي لا يجدون له مدفعا:
[ ص: 49 ] لو طردت هؤلاء الفقراء وأبعدتهم عنك مثل
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار nindex.php?page=showalam&ids=52وصهيب وبلال فإنه يؤذينا ريح جبابهم ونأنف من مجالستهم جلسنا إليك وسمعنا منك ورجونا أن نتبعك، قال يرغبه في أتباعه مزهدا فيمن عداهم كائنا من كان، معلما أنه ليس فيهم ملجأ لمن خالف أمر الله وأنهم لا يريدون إلا تبديل كلمات الله فسيذلهم عن قريب ولا يجدون لهم ملتحدا:
واصبر نفسك أي احبسها وثبتها في تلاوته وتبيين معانيه
مع الذين يدعون ربهم شكرا لإحسانه، واعترافا بامتنانه، وكنى عن المداومة [بما -] يدل على البعث الذي كانت قصة أهل الكهف دليلا [عليه -] فقال تعالى:
بالغداة أي [التي -]الانتقال فيها من النوم إلى اليقظة كالانتقال من الموت إلى الحياة
والعشي أي [التي -] الانتقال فيها من اليقظة إلى [النوم كالانتقال من الحياة إلى -] الموت; ثم مدحهم بقوله تعالى معللا لدعائهم:
يريدون أي بذلك
وجهه لا غير ذلك في رجاء ثواب أو خوف عقاب وإن كانوا في غاية الرثاثة، وأكد ذلك بالنهي عن ضده فقال مؤكدا للمعنى لقصر الفعل وتضمينه فعلا آخر:
ولا تعد عيناك علوا ونبوءا وتجاوزا
[ ص: 50 ] عنهم إلى غيرهم، أي لا تعرض عنهم، حال كونك
تريد زينة الحياة الدنيا التي قدمنا في هذه السورة أنا زينا بها الأرض لنبلوهم بذلك، فإنهم وإن كانوا اليوم عند هؤلاء مؤخرين فهم عند الملك الأعلى مقدمون، وليكونن عن قريب - إذا بعثنا من نريد من العباد بالحياة من برزخ الجهل - في الطبقة العليا من أهل العز، وأما بعد البعث الحقيقي فلتكونن لهم مواكب يهاب الدنو منها كما كان لأهل الكهف بعد بعثهم من هذه الرقدة بعد أن كانوا في حياتهم قبلها هاربين مستخفين في غاية الخوف والذل، وأما إن عدت العينان أحدا لما غفل عنه من الذكر، وأحل به من الشكر، فليس ذلك من النهي في شيء لأنه لم يرد [به -] إلا الآخرة.
ولما بالغ في أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمجالسة المسلمين، نهاه عن الالتفات إلى الغافلين، وأكد الإعراض عن الناكبين فقال تعالى:
ولا تطع من أغفلنا بعظمتنا
قلبه أي جعلناه غافلا، لأن الفعل فيه لنا لا له
عن ذكرنا بتلك الزينة.
[ ص: 51 ] ولما كان التقدير: فغفل، لأن عظمتنا لا يغلبها شيء فلا يكون إلا ما نريد، عطف على فعل المطاوعة قوله تعالى:
واتبع هواه بالميل إلى ما استدرجناه به منها والأنفة من مجالسة أوليائنا الذين أكرمناهم بالحماية منها لأن ذكر الله مطلع الأنوار، فإذا أفلت الأنوار تراكمت الظلمة فجاء الهوى فأقبل على الخلق
وكان أمره فرطا أي متجاوزا للحد مسرفا فيه متقدما على الحق، فيكون الحق منبوذا به [وراء -] الظهر مفرطا فيه بالتقصير فإن ربك سبحانه سينجي [أتباعك -]على ضعفهم منهم كما أنجى أصحاب الكهف، ويزيدك بأن يعليهم عليهم ويدفع الجبابرة في أيديهم لأنهم مقبلون على الله معرضون عما سواه، وغيرهم مقبل على غيره معرض عنه.