ولما انقضى ما سألوا عنه على أحسن وجه في أبلغ سياق وأبدع تناسب، وأدرج في خلاله ما أدرج من التذكير والوعظ، والأمر والنهي،
[ ص: 144 ] والوعد والوعيد، والترغيب والترهيب، والتبكيت للكاتمين لما عندهم من العلم، الناكبين عما استبان لهم من الطريق اللاحب والمنهج الواضح صنع القادر الحكيم الذي لا يستخفه ضجر فيستعجل، ولا يعيبه أمر فيستمهل، وختمه بما هو علم عظيم للساعة، ذكر ما يكون إذ ذاك وما يكون بعده إلى حصول كل من الفريقين في داره ومحل استقراره; ولما كان ذلك أمرا عظيما، دل عليه بالنون فقال عاطفا على ما تقديره: فقد بان أمر
ذي القرنين أي بيان، وصدق في قوله
فإذا جاء وعد ربي فإنه إذا جاء وعدنا جعلناه بقدرتنا التي نؤتيها
ليأجوج ومأجوج دكاء فأخرجناهم على الناس بعد خروج
الدجال: وتركنا بعضهم أي بعض من خلف السد ومن أمامه
يومئذ أي إذ جعلنا السد دكاء وخرجوا مقدمتهم
بالشام وساقطتهم
بخراسان، وهم - كما قال الله تعالى -
من كل حدب ينسلون "يموج" أي يضطرب
في بعض كما يموج البحر، فأهلكوا ما مروا عليه من شيء إلا ما أراد الله، ثم أبادهم الذي خلقهم وبقرب ذلك أفنى الخلائق أجمعين
ونفخ في الصور أي النفخة الثانية لقوله:
فجمعناهم ويجوز أن تكون هذه الفاء الفصيحة فيكون المراد النفخة الأولى، أو ونفخ [في الصور -] فمات الخلائق
[ ص: 145 ] كلهم، فبليت أجسامهم، وتفتتت عظامهم، كما كان من تقدمهم، ثم نفخ [فيه -] النفخة الثانية فجمعناهم من التراب بعد تمزقهم فيه، وتفرقهم في أقطار الأرض بالسيول والرياح وغير ذلك
جمعا فأقمناهم دفعة واحدة كلمح البصر، وحشرناهم إلى الموقف للحساب ثم العقاب أو الثواب