ولما كان حاصل القصة أنه ولد أخرجه الله تعالى عن سبب هو في ضعفه قريب من العدم، أما من جهته فبلوغه إلى حد من السن وحال في المزاج لا يقبل حركة الجماع عادة، وأما من جهة زوجته فلزيادتها مع يأسها ببلوغها إلى نحو ذلك السن بكونها عاقرا لم تقبل حبلا قط،
[ ص: 182 ] أتبعه بقصة هي أغرب من قصته بكونها ليس فيها إلا سبب واحد وهو المرأة، وعدم فيها سبب الذكورية أصلا، إشارة إلى أنه تعالى يخلق ما يشاء تارة بسبب قوي، وتارة بسبب ضعيف، وتارة بلا سبب، ومن كان كذلك كان مستغنيا عن الولد; ولما كان على اليهود الآمرين بالسؤال تعنتا عن قصتي أصحاب الكهف
وذي القرنين أن ينصحوا
العرب بالإعلام بأن دينهم باطل لشركهم، فلم يفعلوا فكانوا جديرين بالتبكيت، وكانت قصة
زكريا أعظم في تبكيتهم بمباشرتهم لقتله وقتل ولده
يحيى عليهما السلام، قدمها في الذكر، وتوطئة لأمر
عيسى عليه السلام كما مضى بيانه في [آل عمران ] إلزاما لهم بالاعتراف به، وللنصارى بالاعتراف بأنه عبد، كما اعترف كل منهما بأمر
يحيى عليه السلام، وذلك بما جمع بينهما من خرق العادة، وكانت قصة
يحيى أولى من قصة
إسحاق عليهما السلام لما تقدم، ولمشاهدة الذين اختلفوا في
عيسى عليه السلام من الفريقين لأمره وأمر
يحيى عليهم الصلاة والسلام لما لهما من الاتحاد في الزمن مع ما لهما من قرب النسب، ولما كانت قصة
عيسى عليه السلام أغرب، أشار إلى ذلك بتغيير السياق فقال عاطفا على ما تقديره: اذكر هذا لهم:
واذكر - بلفظ الأمر
في الكتاب مريم ابنة عمران خالة
يحيى - كما في الصحيح
[ ص: 183 ] من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك [عن
مالك -] بن صعصعة الأنصاري رضي الله عنهما في حديث الإسراء:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653176 "فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة" ثم أبدل من
مريم بدل اشتمال قوله:
إذ أي اذكر ما اتفق لها حين
انتبذت أي كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت
من أهلها حالة
مكانا شرقيا عن مكانهم، فكان انفرادها في جهة مطالع الأنوار إشارة إلى ما يأتيها من الروح الإلهي