ولما كان
موسى أول من نوه الله بأسمائهم، على لسانه في التوراة، وأظهر محامدهم، وشهر مناقبهم، وتوارث ذلك أبناؤهم منه حتى شاع أمرهم وذاع، وملأ الأسماع، وطار في الأقطار، حتى عم البراري والبحار، عقب ذكرهم بذكره فقال:
واذكر في الكتاب [ ص: 211 ] أي الذي لا كتاب مثله في الكمال
موسى أي الذي أنقذ الله به بني إسرائيل من العبودية والذل حتى تمكنوا من آثار آبائهم، وكان موافقا لأبيه
إبراهيم عليهم السلام في أن كلا منهما أراد ملك زمانه الذي ادعى الربوبية قتله خوفا على ملكه منه، فأنجاه الله منه، وأمر
موسى أعجب لأنه سبحانه أنجاه من الذبح بالذباح، ثم علل ذكره له بقوله:
إنه كان أي كونا عريقا فيه
مخلصا [لله تعالى -] في توحيده وجميع أعماله [- كما أشارت إليه قراءة الجمهور - من غير كلفة في شيء، في ذلك -] لأن الله أخلصه له كما في قراءة الكوفيين بالفتح
وكان رسولا إلى بني إسرائيل والقبط
نبيا ينبئه الله بما يريد من وحيه لينبئ به المرسل إليهم، فيرفع بذلك قدره، فصار الإخبار بالنبوة عنه مرتين: إحداهما في ضمن " رسولا " والأخرى صريحا مع إفهام العلو باشتقاقه من النبوة، وبكون النبإ لا يطلق عليه غالبا إلا على خبر عظيم، فصار المراد: رسولا عاليا مقداره ويخبر بالأخبار الجليلة، وفيه دفع لما يتوهم من أنه رسول عن بعض رسله كما في أصحاب يس; وعطف على ذلك دليله الدال على ما صدرت به السورة من الرحمة، فرحمه بتأنيس وحشته وتأهيل غربته بتلذيذه بالخطاب وإعطائه الكتاب
[ ص: 212 ] فقال: