ولما كان من المقاصد العظيمة تبكيت اليهود، لأنهم أهل الكتاب وعندهم من علوم الأنبياء [ما -] ليس عند
العرب وقد استرشدوهم واستنصحوهم، فقد كان أوجب الواجبات عليهم محض النصح لهم، فأبدى سبحانه من تبكيتهم ما تقدم إلى أن ختمه بأن جميع الأنبياء كانوا لله
[ ص: 224 ] سجدا ولأمره خضعا، عقب ذلك بتوبيخ هو أعظم داخل فيه وهو أشد مما تقدم لمن خاف الله ورسله فقال:
فخلف من بعدهم أي في بعض الزمان الذي بعد هؤلاء الأصفياء سريعا
خلف هم في غاية الرداءة
أضاعوا الصلاة الناهية عن الفحشاء والمنكر التي هي طهرة الأبدان، وعصمة الأديان، وأعظم الأعمال، بتركها أو تأخيرها عن وقتها والإخلال بحدودها، فكانوا لما سواها أضيع، فأظلمت قلوبهم فأعرضوا عن داعي العقل
واتبعوا أي بغاية جهدهم
الشهوات التي توجب العار في الدنيا والنار في الآخرة، فلا يقربها من يستحق أن يعد بين الرجال، من تغيير أحكام الكتاب وتبديل ما فيه مما تخالف الأهواء كالرجم في الزنا، وتحريم الرشى والربا، ونحو ذلك، وأعظمه كتم البشارة بالنبي العربي الذي هو من ولد
إسماعيل فسوف يلقون أي يلابسون - وعدا لا خلف فيه بعد طول المهلة - جزاء فعلهم هذا
غيا أي شرا يتعقب ضلالا عظيما، فلا يزالون في عمى عن طريق الرشاد لا يستطيعون إليه سبيلا، وهم على بصيرة من أنهم على خطإ وضلال، ولكنهم مقهورون على ذلك بما زين لهم منه حتى صارت لهم فيه أتم رغبة، وذلك أعظم الشر، ولم يزل سبحانه يستدرجهم بالنعم إلى
[ ص: 225 ] أن قطعوا بالظفر والغلبة حتى أناخت بهم سطوات العزة، فأخذوا على غرة، ولا أنكأ من الأخذ على هذه الصفة بعد توطين النفس على الفوز، وهو من وادي قوله
ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مع قوله
أسمع بهم وأبصر وجزاء من كان هذا ديدنه في الدنيا والآخرة معروف لكل من له أدنى بصيرة أنه العار ثم النار، وأيضا فإن من ضل أخطأ طريق الفلاح من الجنة وغيرها فخاب، ومن خاب فقد هلك; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13980أبو علي الجبائي : والغي هو الخيبة في اللغة - انتهى. ويجوز أن يراد بالغي الهلاك، إما من قولهم - أغوية - وزن أثفية - أي مهلكة، وإما من تسمية الشيء باسم ما يلزمه.