ولما تقدم إليهم سبحانه وتعالى في هذا وكانت ألسنتهم قد مرنت على الأيمان من غير قصد بحيث صاروا لا يقدرون على ترك ذلك إلا برياضة كبيرة ومعالجة طويلة وكان مما رحم الله به هذه الأمة العفو عما أخطأت به ولم تتعمده قال في جواب من كأنه سأل عن ذلك:
لا يؤاخذكم أي لا يعاقبكم، وحقيقته يعاملكم معاملة
[ ص: 287 ] من يناظر شخصا في أن كلا منهما يريد أخذ الآخر بذنب أسلفه إليه
الله فكرر في الإطلاق والعفو الاسم الأعظم الذي ذكره في التقييد والمنع إيذانا بأن عظمته لا تمنع من المغفرة
باللغو وهو ما تسبق إليه الألسنة من القول على غير عزم قصد إليه - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .
في أيمانكم فإن ذلك لا يدل على الامتهان بل ربما دل على المحبة والتعظيم.
ولما بين ما أطلقه بين ما منعه فقال:
ولكن يؤاخذكم والعبارة صالحة للإثم والكفارة. ولما كان الحامل على اليمين في الأغلب المنافع الدنيوية التي هي الرزق وكان الكسب يطلق على طلب الرزق وعلى القصد والإصابة عبر به فقال:
بما كسبت أي تعمدت
قلوبكم [ ص: 288 ] فاجتمع فيه مع اللفظ النية.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : فيكون ذلك عزما باطنا وقولا ظاهرا فيؤاخذ باجتماعهما، ففي جملته ترفيع لمن لا يحلف بالله في عزم ولا لغو، وذلك هو الذي حفظ حرمة الحلف بالله، وفي مقابلته من يحلف على الخير أن لا يفعله - انتهى.
ولم يبين هنا الكفارة صريحا إشارة إلى أنهم ينبغي أن يكونوا أتقى من أن يمنعوا من شيء فيقارفوه، وأشار إليها في الإيلاء كما يأتي.
ولما كان ذكر المؤاخذة قطعا لقلوب الخائفين سكنها بقوله مظهرا موضع الإضمار إشارة إلى أن رحمته سبقت غضبه:
والله أي مع ما له من العظمة
غفور أي ستور لذنوب عباده إذا تابوا.
ولما كان السياق للمؤاخذة التي هي معالجة كل من المتناظرين لصاحبه بالأخذ كان الحلم أنسب الأشياء لذلك فقال
حليم [ ص: 289 ] لا يعاجلهم بالأخذ، والحلم احتمال الأعلى للأذى من الأدنى، وهو أيضا رفع المؤاخذة عن مستحقها بجناية في حق مستعظم - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي .