ولما كان الإنسان محل الزلل وإن اجتهد، رجاه واستعطفه بقوله:
وإني لغفار أي ستار بإسبال ذيل العفو
لمن تاب أي رجع عن ذنوبه من الشرك وما يقاربه
وآمن بكل ما يجب الإيمان به
وعمل صالحا تصديقا لإيمانه.
ولما كانت رتبة الاستمرار على الاستقامة في غاية العلو، عبر عنها بأداة التراخي فقال:
ثم اهتدى أي استمر على العمل الصالح متحريا به إيقاعه على حسب أمرنا وعلى أقرب الوجوه المرضية لنا، له إلى ذلك غاية التوجه كما يدل عليه صيغة افتعل، وكأنه لما رتب الله سبحانه منازل قوم
موسى عليه السلام عامة والسبعين المختارين منهم خاصة في الجبل - كما مضى عن نص التوراة في سورة البقرة، وواعده الكلام
[ ص: 321 ] بعد ثلاثين ليلة ولم يعين له أولها، وكأنه لاشتياقه إلى ما رأى من التعرف إليه بمقام الجمال لم يتوقف على خصوص إذن من الله تعالى في أول وقت الإتيان اكتفاء بمطلق الأمر السابق في الميعاد، فتعجل بعشرة أيام عن الوقت الذي علم الله أن الكلام يقع فيه بعد الثلاثين التي ضربها لذلك، وأمر
موسى عليه السلام قومه [عند -] نهوضه، وتقدم إليهم في اتباعه والكون في أثره للحلول في الأماكن التي حدها الله لهم وأمر السبعين المختارة بمثل ذلك، وكأنهم لما مضى تلبثوا لما رأوا من مقام الجلال، فلما مضت الثلاثون بعد ذهاب
موسى لم يكن أتى الوقت الذي أراد الله أن تكون المناجاة فيه، فزاده عشرا فظن بنو إسرائيل الظنون في تلك العشرة، ووقع لهم ما وقع من اتخاذ العجل.