لاهية قلوبهم أي غارقة قلوبهم في اللهو، مشغولة به عما حداها إليه القرآن، ونبهها عليه الفرقان، وحذرها منه البيان، قال
الرازي في اللوامع: لاهية: مشتغلة من لهيت ألهى: أو طالبة للهو، من لهوت ألهو - انتهى. ويمكن أن يراد بالناس مع هذا كله العموم ويكون من باب قوله تعالى
وما قدروا الله حق قدره [ ص: 383 ] وقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=665859 "لا أحصي ثناء عليك" وأن يخص بالكفار.
ولما ذكر ما يظهرونه في حال الاستماع من اللهو واللعب، ذكر ما يخفونه من التشاور في الصد عنه وإعمال الحيلة في التنفير منه والتوثق من بعضهم لبعض في الثبات على المجانبة له فقال عاطفا على " استمعوا " :
وأسروا أي الناس المحدث عنهم
النجوى أي بالغوا في إسرار كلامهم بسبب الذكر، لأن المناجاة في اللغة السر - كذا في القاموس، وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14985أبو عبد الله القزاز في ديوانه: والنجوى: الكلام بين اثنين كالسر والتشاور.
ولما أخبر بسوء ضمائرهم، أبدل من ضميرهم ما دل على العلة الحاملة لهم على ذلك فقال:
الذين ظلموا ثم بين ما تناجوا به فقال:
هل أي فقالوا في تناجيهم هذا، معجبين من ادعائه النبوة مع مماثلته لهم في البشرية: هل
هذا الذي أتاكم بهذا الذكر
إلا بشر مثلكم أي في خلقه وأخلاقه من الأكل والشرب والحياة والموت، فكيف يختص عنكم بالرسالة؟ ما هذا الذي جاءكم به مما لا تقدرون على مثله
[ ص: 384 ] إلا سحر لا حقيقة له، فحينئذ تسبب عن هذا الإنكار في قولهم:
أفتأتون السحر وأنتم أي والحال أنكم
تبصرون بأعينكم أنه بشر مثلكم، وببصائركم أن هذه الخوارق التي يأتي بها يمكن أن تكون سحرا، فيا لله العجب من قوم رأوا ما أعجزهم فلم يجوزوا أن يكون عن الرحمن الداعي إلى الفوز بالجنان وجزموا بأنه من الشيطان الداعي إلى الهوان، باصطلاء النيران، والعجب أيضا أنهم أنكروا الاختصاص بالرسالة مع مشاهدتهم لما يخص الله به بعض الناس عن بعض من الذكاء والفطنة، وحسن الخلائق والأخلاق، والقوة والصحة، وطول العمر وسعة الرزق - ونحو ذلك من القيافة والعيافة والرجز والكهانة، ويأتون أصحابها لسؤالهم عما عندهم من ذلك من العلم.