ولما ذكر تسخير الريح له، ذكر أنه سخر له ما أغلب عناصره النار والريح للعمل في الماء، مقابلة لارتفاع الحمل في الهواء باستفال الغوص في الماء فقال:
ومن أي وسخرنا له من
الشياطين الذين هم أكثر شيء تمردا وعتوا،
[ ص: 460 ] وألطف شيء أجساما
من وعبر بالجمع لأنه أدل على عظم التصرف فقال:
يغوصون له في المياه لما يأمرهم به من استخراج الجواهر وغيرها من المنافع، وذلك بأن أكثفنا أجسامهم مع لطافتها لتقبل الغوص في الماء معجزة في معجزة، [وقد خنق نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم العفريت الذي جاء بشهاب من نار وأسر جماعة من أصحابه رضي الله عنهم عفاريت أتوا إلى ثمر الصدقة وأمكنهم الله منهم -]
ويعملون عملا أي عظيما جدا.
ولما كان إقدارهم على الغوص أعلى [ما -] يكون في أمرهم، وكان المراد استغراق إقدارهم على ما هو أدنى من ذلك مما يريده منهم، نزع الجار فقال:
دون ذلك أي تحت هذا الأمر العظيم أو غيره من بناء ما يريد، واصطناع ما يشاء، من الصنائع العجيبة، والآثار الغريبة، وفي ذلك تسخير الماء والتراب بواسطة الشياطين، فقد ختم عند انتهاء الإشارة إلى تسخير العناصر - بمن سخر له العناصر الأربعة كما ابتدأ بذلك
وكنا أي بعظمتنا التي تغلب كل شيء
لهم حافظين من أن يفعلوا غير ما يريد، ولم يذكر
هودا عليه السلام هنا، وإن كان قد سخر له الريح، لأن عملها له كان على مقتضى
[ ص: 461 ] العادة في التدمير والأذى عند عصوفها وإن كان خارقا بقوته، والتي
لسليمان عليه السلام للنجاة والمنافع، هذا مع تكرارها فأمرها أظهر، وفعلها أزكى وأطهر.