ثم أشار إلى تعظيم الحج وأفعاله هذه بقوله:
ذلك أي الأمر الجليل العظيم الكبير المنافع دنيا وأخرى ذلك. ولما كان التقدير: فمن فعله سعد، ومن انتهك شيئا منه شقي، عطف عليه قوله:
ومن يعظم أي بغاية جهده
حرمات الله أي ذي الجلال والإكرام كلها من هذا ومن غيره، وهي الأمور التي جعلها له فحث على فعلها أو تركها
فهو [ ص: 42 ] أي التعظيم الحامل له على امتثال الأمر فيها على وجهه واجتناب المنهي عنه كالطواف عريانا والذبح بذكر اسم غير الله
خير كائن
له عند ربه الذي أسدى إليه كل ما هو فيه من النعم فوجب عليه شكره فإن ذلك يدل على تقوى قلبه، لأن تعظيمها من تقوى القلوب، وتعظيمها لجلال الله، وانتهاكها شر عليه عند ربه.
ولما كان التقدير: فقد حرمت عليكم أشياء أن تفعلوها، وأشياء أن تتركوها، عطف عليه قوله بيانا أن الإحرام لم يؤثر فيها كما أثر في الصيد:
وأحلت لكم الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم كلها
إلا ما يتلى أي على سبيل التجديد مستمرا
عليكم تحريمه من الميتة والدم وما أهل لغير الله به، خلافا للكفار في افترائهم على الله بالتعبد بتحريم الوصيلة والبحيرة والسائبة والحامي وإحلال الميتة والدم.
ولما أفهم ذلك حل السوائب وما معها وتحريم المذبوح للأنصاب، وكان سبب ذلك كله الأوثان، سبب عنه قوله:
فاجتنبوا أي بغاية الجهد اقتداء بالأب الأعظم
إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي تقدم الإيصاء له بمثل ذلك عند جعل
البيت له مباءة
الرجس أي القذر الذي من حقه أن يجتنب من غير أمر; ثم بينه وميزه بقوله:
من الأوثان أي القذر الذي من حقه أن يحتنب من غير أمر، فإنه إذا اجتنب السبب اجتنب المسبب.
[ ص: 43 ] ولما كان ذلك كله من الزور، أتبعه النهي عن جميع الزور، وزاد في تبشيعه وتغليظه إذ عدله - كما قال النبي صلى الله عليه وسلم بالشرك فقال:
واجتنبوا أي بكل اعتبار
قول الزور أي جميعه، وهو الانحراف عن الدليل كالشرك المؤدي إلى لزوم عجز الإله وتحريم ما لم ينزل الله به سلطانا من السائبة وما معها، وتحليل الميتة ونحوها مما قام الدليل السمعي على تحريمه كما أن الحنف الميل مع الدليل، ولذلك أتبعه قوله .