ثم وصفهم بما يبين مظلوميتهم على وجه يجمعهم ويوثقهم بالله فقال:
الذين أخرجوا من ديارهم إلى
الشعب والحبشة والمدينة بغير حق أوجب ذلك
إلا أن يقولوا أي غير قولهم، أو إلا قولهم:
ربنا الله المحيط بصفات الكمال، الموجب لإقرارهم في ديارهم، وحبهم ومدحهم واقتفاء آثارهم، فهو من باب:
[ ص: 57 ] ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
وفي سوق ذلك المساق الاستثناء عند من يجعله منقطعا إشارة إلى أن من أخلص لله، صوب الناس إليه سهام مكرهم، ولم يدعوا في أذاه شيئا من جهدهم.
ولما ذكر مدافعته، وذكر أنها بالمؤمنين، بين سرها عموما ليفهم منها هذا الخاص، وصورها تقريبا لفهمها، فقال عاطفا على ما تقديره: فلولا إذن الله لهم لاستمر الشرك ظاهرا، والباطل - باستيلاء الجهلة على مواطن الحج - قاهرا:
ولولا دفع الله أي المحيط بكل شيء علما وقدرة في كل شريعة، وفي زمن كل نبي أرسله
الناس أي عموما
بعضهم ببعض أي بتسليط بعضهم على بعض
لهدمت صوامع وهي معابد صغار مرتفعة للرهبان
وبيع للنصارى
وصلوات أي كنائس اليهود
ومساجد أي للمسلمين، أخرها لتكون بعيدة من الهدم قريبة من الذكر
يذكر فيها اسم الله أي الملك الذي لا ملك غيره، ولعل العدول عن الإضمار إلى الإظهار للإشارة إلى اختلاف ذكره تعالى في الأماكن المذكورة بالإخلاص وغيره
كثيرا لأن كل فرقة تريد هدم ما للأخرى، بل ربما أراد بعض أهل ملة إخراب
[ ص: 58 ] بعض معابد أهل ملته، لا فيدفعه الله بمن يريد من عباده، وإذا تأملت ذلك وجدت فيه من الأسرار، ما يدق عن الأفكار، فإنه تعالى لما أراد بأكثر الناس الفساد، نصب لهم من الأضداد، ما يخفف كثيرا من العناد.
ولما كان التقدير: ولكن لم تهدم المذكورات، لأن الله دفع بعضهم ببعض، وجعل بعضهم في نحور بعض، عطف عليه أو على قوله
أذن قوله:
ولينصرن الله أي الملك الأعظم، وأظهر ولم يضمر تعميما وتعليقا للحكم بالوصف فقال:
من ينصره كائنا من كان منهم ومن غيرهم، بما يهيئ له من الأسباب، إجراء له على الأمر المعتاد، وبغير أسباب خرقا للعادة، كما وقع في كثير من الفتوحات، كخوض
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه البحر الملح إلى
جواثاء بالبحرين ، واقتحام
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه
الدجلة مع عظمها في ذلك العام وطموها، وزيادتها وعلوها، وزلزلة أسوار
حمص بالتكبير وتهدم كثير من بيوتها، عن إتقان بنيانها، وإحكام قواعدها وأركانها
[ ص: 59 ] ونحو ذلك; ثم علل نصره وإن ضعف المنصور، بقوله:
إن الله أي الذي لا كفؤ له
لقوي أي على ما يريد
عزيز لا يقدر أحد على مغالبته، ومن كان ناصره فهو المنصور، وعدوه المقهور، ولقد صدق سبحانه فيما وعد به، فأذل بأنصار دينه رضي الله عنهم - جبابرة أهل الأرض وملوكهم، ومن أصدق من الله حديثا.