ولما أتم سبحانه ما أراد من ذكر المنزل والمنزل، وأخبر عن طعنهم في المنزل الذي هو المقصود بالذات من الرسالة، وأقام تعالى ذلك الدليل على كذبهم، أتبعه الإخبار عن طعنهم في الرسول الآتي به، فقال معجبا عقولهم التي يعدونها أصفى العقول أفكارا، وأعلاها
[ ص: 343 ] آثارا، فيما أبدوه من ذلك مما ظنوا أنه دليل على عدم الرسالة، ولا شيء منه يصلح أن يكون شبهة لذي مسكة من أمره، فضلا عن أن يكون دليلا:
وقالوا أي مستفهمين تهكما بوصفه، قادحين فيه بفعله، قول من هو على ثقة من أن وصف الرسالة ينافيه:
مال هذا والإشارة على هذا الوجه تفهم الاستهانة والتصغير; ثم أظهروا السخرية بقولهم:
الرسول أي الذي يزعم أنه انفرد عن بقية البشر في هذا الزمان بهذا الوصف العالي
يأكل الطعام أي مثل ما نأكل
ويمشي في الأسواق أي التي هي مطالب الدنيا، كما نمشي.
ولما كانت ترجمة ما مضى: ما له مثلنا وهو يدعي الاختصاص عنا بالرسالة؟ أتبعوه التعنيف على عدم كونه على واحد من وجوه مغايرة على سبيل التنزل جوابا لمن كأنه قال: فماذا يفعل؟ بقولهم:
لولا أي هلا، وهي تأتي للتوبيخ، وهو مرادهم
أنـزل أي من السماء، من أي منزل كان، منتهيا
إليه أي على الهيئة التي هو عليها في السماء
ملك أي من ملائكة الله على هيئاتهم المباينة لهيئات الآدميين
فيكون بالنصب جوابا للتحضيض ذلك الملك وإن كان هو إنسانا
معه نذيرا فيكون ممتازا بحال
[ ص: 344 ] ليس لواحد منا، ليكون أهيب في النذارة، لما له من الهيبة والقوة، وكأنهم عبروا بالماضي إعلاما بأن مرادهم كونه في الظهور لهم على غير الهيئة التي يخبركم بها من تجدد نزول الملك عليه في كل حين مستسرا بحيث لا ينظره غيره، أو لأن الملك يمكن أن يكون على حالة المصاحبة له للنذارة، وإنما لا يتحول عنها بصعود إلى السماء ولا غيره، بخلاف الكنز فإنه للنفقة، فإن لم يتعهد كل وقت نفد، وهذا سر التعبير ب "إلى" دون "على" التي هي للتغشي بالوحي، ولذلك عبروا بالمضارع في قولهم، متنزلين عن علو تلك الدرجة: