ولما وصف عباده سبحانه بأنهم تحلوا بأصول الفضائل، وتخلوا [ ص: 432 ] عن أمهات الرذائل، ورغب التوبة، لأن الإنسان لعجزه لا ينفك عن النقص، وكان قد مدحهم بعد الأولى من صفاتهم بالحلم عن الجهل مدحهم قبل الأخرى من أمداحهم وعقب تركهم الزنى بالإعراض أصلا عن اللغو الذي هو أعظم مقدمات الزنى فقال: والذين لا يشهدون أي يحضرون انحرافا مع الهوى كما تفعل النار التي الشيطان منها الزور أي القول المنحرف عن الصدق كذبا كان أو مقاربا له فضلا عن أن يتفوهوا به ويقروا عليه; قال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وأصل الزور تحسين الشيء ووصفه بخلاف صفته حتى يخيل إلى من يسمعه أو يراه أنه بخلاف ما هو به فهو تمويه الباطل بما يوهم أنه حق، والشرك قد يدخل في ذلك لأنه محسن لأهله حتى ظنوا أنه حق وهو باطل، ويدخل فيه الغناء لأنه أيضا مما يحسن بترجيع الصوت حتى يستحلي سامعه سماعه، والكذب أيضا يدخل فيه بتحسين صاحبه إياه حتى يظن أنه حق.

وعطف عليه ما هو أعم منه فقال: وإذا مروا باللغو أي الذي ينبغي أن يطرح ويبطل سواء كان من وادي الكذب أو العبث الذي لا يجدي; قال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : وهو في كلام العرب كل كلام [ ص: 433 ] أو فعل باطل لا حقيقة له ولا أصل، أو ما يستقبح. مروا كراما أي آمرين بالمعروف، ناهين عن المنكر، إن تعلق بهم أمر أو نهي، بإشارة أو عبارة، على حسب ما يرونه نافعا، أو معرضين إن كان لا يصلح شيء من ذلك لإثارة مفسدة أعظم من ذلك أو نحوه، رحمة لأنفسهم وغيرهم، وأما حضورهم لذلك وسكوتهم فلا، لأن النظارة إلى كل ما لم تسوغه الشريعة هم شركاء فاعليه في الإثم لأن حضورهم ونظرهم دليل الرضا به، وسبب لوجوده والزيادة فيه.