وإن أي : والحال أن
ربك أي : الذي أحسن إليك بالإرسال ، وسخر لك قلوب الأصفياء ، وزوى عنك اللد الأشقياء
لهو [ ص: 12 ] ولما كان المقام لإنزال الآية القاهرة ، قدم قوله :
العزيز أي : القادر على كل من قسرهم على الإيمان والانتقام منهم ،
الرحيم في أنه لم يعاجلهم بالنقمة ، بل
أنزل عليهم الكتاب ترفقا بهم ، وبيانا لما يرضاه ليقيم به الحجة على من أريد للهوان ، ويقبل بقلوب من يختصه منهم للإيمان ، قال
أبو حيان : والمعنى : أنه عز في نقمته من الكفار ، ورحم مؤمني كل أمة - انتهى.
ومن هنا شرع سبحانه وتعالى في تمثيل آخر الفرقان في إظهار القدرة بالبطش عند النقمة حيث لم يشكر النعمة بأن أبى المدعو الإجابة لدعوة الرسل ، وترك الداعي -عقب الانقياد [من] الشدائد- التضرع للمرسل ، وقص أخبار الأمم على ما هي عليه بحيث لم يقدر أحد من أهل الكتاب الذين هم بين ظهرانيهم على إنكار شيء من ذلك ، ومن ثم قرع أسماعهم ، أول شيء بقصتهم من
فرعون ،
وموسى عليه السلام ، فصح قطعا أن هذا الكتاب جلي الأمر ، علي القدر ، ليس بكهانة ، ولا شعر ، كما سيؤكد ذلك عند إظهار النتيجة في آخرها ، بل هو من عند رب العالمين ، على لسان سيد المرسلين ، وصح أن أكثر الخلق مع ذلك هالك وإن قام الدليل. ووضح السبيل; لأن سلك الذكر في قلوبهم شبيه في الضيق بنظم السهم فيما يرمى به ،
وصح أنه سبحانه يملي لهم وينعم عليهم بما فيه حياة أديانهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ، وما فيه حياة أبدانهم بالإيتاء من كل ما يحتاجونه إظهارا لصفة الرحمة ،
[ ص: 13 ] ثم ينتقم منهم بعد طول المهلة ، وتماديهم في سكرات الغفلة ، كشفا لصفة العزة ، كل ذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتخفيفا وإعلاما بأنه لا قصور في بيانه ، ولا تقصير لديه.