ولما كان هذا كله تأسية للداعي صلى الله عليه وسلم ، وتهديدا لمن تمادى على تكذيبه ، وترجية لمن رجع عن ذنوبه ، أشار إلى ذلك بقوله :
وإن ربك أي : المحسن إليك بكل ما يعلي شأنك ، ويوضح برهانك
لهو العزيز فلا يعجزه أحد ، ولا ينسب في إمهال عاص إلى إهمال ولا عجز
الرحيم فلا يأخذ إلا بعد تجاوز الحد ، واليأس عن الرد ، مع البيان الشافي ، في الإبلاغ الوافي ، والتلطف الكافي ، وكرر الختام بهذا الكلام في هذه السورة ثماني مرات فلعل من أسراره الإشارة إلى
سبق الرحمة للغضب ، لأن من السورة المفتتحة بالكتاب القيم والعبد الكامل بالإضافة إلى الملك الأعظم اللذين هما رحمة الخالق للخلائق ، وذكر فيها [مع تقديمها في الترهيب] أهل الرحمة من أهل الكهف
[ ص: 94 ] الذين قالوا
وهب لنا من لدنك رحمة [
وموسى والخضر عليهما السلام اللذين آتى كلا منهما من لدنه رحمة] ،
وذا القرنين الذي آتاه من كل شيء سببا فأتبع سببا وقال :
هذا رحمة من ربي -إلى سورة الرحمة بإنزال الفرقان على عبده المضاف إليه للإنذار المؤذن بصفة العزة- ثماني سور ، فكل منهما ثامنة الأخرى ، وافتتحت السورة الوالية للفرقان تفصيلا لما في أول الكهف بقوله :
لعلك باخع نفسك وبذكر ما على الأرض من زينة
أولم يروا إلى الأرض كم أنبتنا فيها من كل زوج كريم كل ذلك تذكيرا بما في تلك من الكتاب الجامع بالرحمة ، وتحذيرا مما في القرآن من الإنذار الفارق بالعزة ، فلما كان ذلك كررت صفتا العزة التي أذنت بها الفرقان ، والرحمة التي صرحت بها الكهف ثماني مرات بحسب ذلك العدد ، تذكيرا بهذا المعنى البديع ، وترغيبا وترهيبا وتذكيرا بأبواب الرحمة الثمانية مع ما لختم القصص بذلك من الروعة في النفس ، والهيبة في القلب ، والأنس البالغ للروح ، [وقدمت هنا صفة العزة الناظرة للإنذار بالفرقان على طريق النشر المشوش مع ما اقتضى ذلك من الحال هنا] وجعلت القصص سبعا تحذيرا من أبواب النقمة السبعة إلى غير ذلك من الأسرار التي لا تسعها الأفكار.