ولما كانت آثار هذه القصص آيات مرئيات ، والإخبار بها آيات
[ ص: 95 ] مسموعات ، وكان في اطراد إهلاك العاصي وإنجاء الطائع في كل منهما ، على تباعد الأعصار ، وتناهي الأقطار ، واختلاف الديار ، أعظم دليل على صدق الرسل ، وتقرير الرسالات لتوافقهم في الدعوة إلى الله، وتواردهم على التوحيد ، والعدل مع العزوف عن الدنيا التي هي شر محض ، والإقبال على الآخرة التي هي خير صرف ، والتحلي بما أطبق العباد على أنه معالي الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، والتخلي عن جميع الدنايا ، والتنزه عن كل نقص ، عطف على قوله أول السورة
وما يأتيهم من ذكر الآية ،
الإخبار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إشارة إلى ما في الإخبار عن آثار هذه القصص بالآيات المسموعات من عظيم الدلالات على رسالته صلى الله عليه وسلم بما فيها من الإعجاز من جهة التركيب والترتيب وغير ذلك من عجيب الأساليب الذي [لم] تؤته أمة من الأمم السالفات ، ومن جهة أن الآتي بتلك القصص الغريبة ، والأنباء البديعة العجيبة ، أمي لم يخالط عالما [مع شدة ملاءمة القرآن لخصوص ما في قصة
شعيب عليه السلام من العدل في الكيل والوزن الذي هو مدار القرآن ، ومن أنه الظلة الجامعة للخير ، والفسطاط الدافع لكل ضير ، ] فقال ردا للمقطع على المطلع :
وإنه أي : الذكر
[ ص: 96 ] الذي أتاهم بهذه الأخبار وهم عنه معرضون وله تاركون
لتنـزيل رب العالمين أي : الذي رباهم بشمول علمه ، وعظيم قدرته ، بما يعجز عن أقل شيء منه غيره لكونه أتاهم بالحق منها على لسان من لم يخالط عالما قط ، ومع أنه سبحانه غذاهم بنعمته ، ودبرهم بحكمته ، فاقتضت حكمته أن يكون هذا الذكر جامعا لكونه ختاما ، وأن يكون معجزا لكونه تماما ، ونزله على حسب التدريج شيئا فشيئا. مكررا فيه ذكر القصص سابقا في كل سورة منها ما يناسب المقصود من تلك السورة ، معبرا عما يسوقه منها بما يلائم الغرض من ذلك السياق مع مراعاة الواقع ، ومطابقة الكائن.