ولما كان
القصد من السورة التسلية عن عدم إيمانهم بأنه لسفول شأنهم ، لا لخلل في بيانه ، ولا لنقص في شأنه ، قال تعالى [موضحا لتمكنه من قبله] :
بلسان عربي . ولما كان في العربي ما هو حوشي لفظا أو تركيبا ، مشكل على كثير من
العرب ، قال :
مبين أي : بين في نفسه كاشف لما يراد منه غير تارك لبسا عند من تدبره
[ ص: 98 ] حق تدبره على ما يتعارفه
العرب في مخاطباتها ، من سائر لغاتها ، بحقائقها ومجازاتها على اتساع إراداتها ، وتباعد مراميها في محاوراتها ، وحسن مقاصدها في كناياتها واستعاراتها ، ومن يحيط بذلك حق الإحاطة غير العليم الحكيم الخبير البصير ، وإنما كانت عربيته وإبانته موضحة لسبقه قلبه ، لأن من تكلم بلغته -فكيف بالبين منها- تسبق المعاني الألفاظ إلى قلبه ، فلو كان أعجميا لكان نازلا على السمع ، لأنه يسمع أجراس حروف لا يفهم معانيها; قال الكشاف : وقد يكون الرجل عارفا بعدة لغات ، فإذا كلم بلغته التي لقنها أولا ونشأ عليها وتطبع بها لم يكن قلبه إلا إلى المعاني ، ولا يكاد يفطن للألفاظ ، وإن كلم بغيرها وإن كان ماهرا فيها كان نظره أولا في ألفاظها ثم في معانيها - انتهى. ففيه تقريع عظيم لمن يعرف لسان
العرب ولا يؤمن به.