ولما كان هذا منهم عمل من لا يظن أن الله عالم به ، قال تعالى محذرا أمثالهم عن أمثال ذلك :
ومكروا مكرا أي : [ستروا] سترا عظيما أرادوا به الشر [بهذه المساومة على المقاسمة ، فكان مكرهم الذي اجتهدوا في ستره لدينا مكشوفا وفي حضرتنا معروفا وموصوفا ، فشعرنا بل علمنا به فأبطلناه]
ومكرنا مكرا [أي : وجزيناهم على فعلهم بما لنا من العظمة شيئا] هو المكر في الحقيقة فإنه لا يعلمه أحد من الخليقة ، ولذلك قال :
وهم أي : مع اعتنائهم بالفحص عن الأمور. والتحرز من عظائم المقدور
لا يشعرون أي : لا يتجدد لهم شعور بما قدرناه عليهم بوجه ما ، فكيف بغيرهم ، وذلك أنا جعلنا تدميرهم في تدبيرهم، فلم يقدروا على إبطاله ، فأدخلناهم في خبر كان ، لم يفلت منهم إنسان ، وأهلكنا جميع الكفرة من قومهم في أماكنهم
[ ص: 179 ] مساكنهم أو غير مساكنهم ، وأما مكرهم فكانوا على اجتهادهم في إتقانه وإحكام شأنه ، قد جوزوا فيه سلامة بعض من يقصدونه بالإهلاك ، فشتان بين المكرين ، وهيهات هيهات لما بين الأمرين ، وقد ظهر أن الآية إما احتباك أو شبيهة به : عدم الشعور دال على حذف عدم الإبطال من الثاني ، وعلى حذف الشعور والإبطال الذي هو نتيجته من الأول.