ولما كان الاتباع قد يكون عن غلبة لا عن طاعة بين أنه لا ينفع إلا مع الإذعان فقال - أو يقال: لما كان صلى الله عليه وسلم في غاية
[ ص: 337 ] الرأفة بالعباد وكان يعلم أن آحاد الأمة لا يقدرون على كمال اتباعه لما له مع العصمة من الطبع على خصال الكمال كان كأنه قال له سبحانه وتعالى: فإن لم يقدروا على كمال اتباعي؟ فقال:
قل وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: ولما ذكر تعالى ما تقدم من التحذيرين، في رتبتين أولاهما في الذكر نجاتين من موجب التحذيرين، فكان الاتباع موجب النجاة من التحذير الثاني الباطن الذي مبدؤه الرأفة، وكان الطاعة موجب النجاة من التحذير الأول السابق، فمن أطاع الله ورسوله فيما نهى عنه من اتخاذ ولاية الكافرين من دون ولاية المؤمنين سلم من التحذير الظاهر، ومن اتبع الرسول فأحبه الله سلم من التحذير الباطن، فختم الخطاب بما به بدأ، أو لما كانت رتبة الاتباع عليا وليتها رتبة الائتمار، فهو إما متبع على حب وإما مؤتمر على طاعة، فمن لم يكن من أهل الاتباع فليكن من أهل الطاعة، فكأن الخطاب يفهم:
قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني فإن لم تستطيعوا أن تتبعوني فأطيعوني، انتهى فقال سبحانه وتعالى:
قل أطيعوا الله أي لما له من صفات
[ ص: 338 ] الكمال. ولما قدم أن رضاه في اتباعه صلى الله عليه وسلم فدل على أن الطاعتين واحدة قال موحدا للعامل:
والرسول أي الكامل في الرسلية لما له به سبحانه وتعالى من مزايا الاتصال، وهو وإن كان اسما كليا لكنه كان حين إنزال هذا الخطاب مختصا بأكمل الخلق
محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المرسل إلى الخلق كافة على أن
طاعته طاعة لجميع الرسل الذين بينوا للناس أمره صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين وسلم. قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: فكان إشارة ذلك إلى ما نهوا عنه من التولي إلى ما ينتظم في معنى ذلك، وفيه إشعار بأن الأمر يكون فيه محوطا بالرحمة من حيث ذكر الرسول فيه بما هو رحمة للعالمين
فإن تولوا أي عن طاعة خطاب الله والرسول المحفوف باللطف من الله سبحانه وتعالى والرحمة من رسول الله. انتهى. و
تولوا يحتمل المضارع والمضي، فكان الأصل في الكلام:
فإن الله الذي له الغنى المطلق لا يحبكم، أو: لا يحبهم، ولكنه أظهر الوصف المعلم بأن التولي كفر فقال:
لا يحب [ ص: 339 ] الكافرين قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي: أفرد لله لما كان وعيدا، إبقاء لرسوله صلى الله عليه وسلم في حيز الرحمة.
ولما نفى عمن تولى أن يحبه كان في إشعاره أن هذا الكفر عموم كفر يداخل رتبا من الإيمان من حيث نفى عنه الحب فنفى منه ما يناله العفو أو المغفرة والرحمة ونحو ذلك بحسب رتب تناقص الكفر، لأنه كفر دون كفر، ومن فيه كفر فهو غير مستوفي اتباع الرسول بما أنه الماحي الذي يمحو الله به الكفر، وإنما يحب الله من اتبع رسوله، فعاد الختم في الخطاب إلى إشعار من معنى أوله وفي إلاحته أن
حب الله للعبد بحسب توحيده، فكلما كان أكمل توحيدا كان أحب، وما سقط عن رتبة أدنى التوحيد الذي هو محل الأمر بطاعة الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كان كفرا بحسب ما يغطي على تلك الرتبة من التوحيد، لأن هذه السورة سورة إلهية إيمانية حبية توحيدية، فخطابها مخصوص بما يجري في حكم ذلك من الإيمان والكفر والمحكم والمتشابه وكشف غطاء الأعين ورفع حجب القلوب. انتهى.
وقد وضح أن الآية من الاحتباك - فأصل نظمها: فإن تولوا
[ ص: 340 ] فإن الله لا يحبهم لكفرانهم، وإن أقبلوا فإن الله يحبهم لإيمانهم، فإن الله لا يحب الكافرين والله يحب المؤمنين - إثبات التولية في الأول يدل على حذف الإقبال من الثاني، إثبات الكراهة في الثاني يدل على حذف مثلها في الأول.