ولما استقر الحال ، على هذا المنوال ، علم أنه ليس بعده إلا الخير والإقبال ، والعز بتبني
فرعون له والجلال ، فترك ما بينه وبين السن الصالح للإرسال ، [و] قال مخبرا عما بعد ذلك من الأحوال :
ولما بلغ أشده أي : مجامع قواه وكمالاته
واستوى أي : اعتدل في السن وتم استحكامه بانتهاء الشباب ، وهو من العمر ما بين إحدى وعشرين سنة إلى اثنتين وأربعين ، فتم بسبب ذلك في الخلال الصالحة التي طبعناه عليها; وقال
الرازي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد : لما تكامل عقله ، وصحت بصيرته ، وصلحت نحيرته ، وآن أوان خطابه انتهى.
أي : وصار إلى الحد الذي لا يزاد الإنسان بعده غريزة من الغرائز لم تكن فيه أيام الشباب ، بل لا يبقى بعد ذلك إلا الوقوف ثم النقصان
آتيناه أي : خرقا للعادة أسوة إخوانه من الأنبياء ابتداء غرائز منحناه إياها من غير اكتساب أصلا
حكما أي : عملا محكما بالعلم
وعلما أي :
[ ص: 254 ] مؤيدا بالحكمة ، تهيئة لنبوته ، وإرهاصا لرسالته ، جزيناه بذلك على ما طبعناه عليه من الإحسان ، فضلا منا ومنة ،
واختار [الله] سبحانه هذا السن للإرسال ليكون - كما أشير إليه - من جملة الخوارق ، لأنه يكون به ابتداء الانتكاس الذي قال الله تعالى فيه :
ومن نعمره - أي : إلى اكتمال سن الشباب -
ننكسه في الخلق أي : نوقفه ، فلا يزاد [بعد ذلك] في قواه الظاهرة ولا الباطنة شيء، ولا توجد فيه غريزة لم تكن موجودة أصلا عشر سنين ، ثم يأخذ في النقصان - هذه عادة الله في [جميع] بني آدم [إلا] الأنبياء ، فإنهم في حد الوقوف يؤتون من بحار العلوم ما يقصر عنه الوصف بغير اكتساب ، بل غريزة يغرزها الله فيهم حينئذ ، ويؤتون من قوة الأبدان أيضا بمقدار ذلك ، ففي وقت انتكاس غيرهم يكون نموهم ، وكذا من ألحقه الله بهم من صالحي أتباعهم ، وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة يس من تمام هذا المعنى ما يفتح الله به لمن تأمله أبوابا من العلم ، ولذلك قال [الله] تعالى عاطفا على ما تقديره : فعلنا به ذلك وبأمه جزاء لهما على إحسانهما في إخلاصهما فيما يفعلانه اعتمادا على الله وحده من غير أدنى التفات إلى ما سواه :
وكذلك أي : ومثل هذا الجزاء العظيم
[ ص: 255 ] نجزي المحسنين أي : كلهم.