ولما كان التقدير : فوصل إلى المدينة ، بنى عليه قوله :
ولما ورد أي : حضر
موسى عليه الصلاة والسلام حضور من يشرب
ماء مدين أي : الذي يستقي منها الرعاء
وجد عليه أي : على الماء
أمة أي : جماعة كثيرة هم أهل لأن يقصدوا ويقصدوا ، فلذلك هم عالون غالبون على الماء; ثم بين نوعهم بقوله :
من الناس وبين عملهم أيضا بقوله :
يسقون أي : مواشيهم ، وحذف المفعول لأنه غير مراد ، والمراد الفعل ، وكذا ما بعده فإن رحمته عليه الصلاة والسلام لم تكن لكون المذود والمسقي غنما بل مطلق الذياد وترك السقي
ووجد من دونهم أي : وجدانا مبتدئا من أدنى مكان من مكانهم الآتي إلى الماء
امرأتين عبر بذلك لما جعل لهما سبحانه من المروءة ومكارم الأخلاق كما يعلمه من أمعن النظر فيما يذكر عنها
تذودان أي : توجدان الذود ، وهو الكف والمنع والطرد وارتكاب أخف
[ ص: 265 ] الضررين ، فتكفان أغنامهما إذا نزعت من العطش إلى الملأ لئلا تخلط بغنم الناس.
ولما كان هذا حالا موجبا للسؤال عنه ، كان كأنه قيل : فما قال لهما؟ قيل :
قال [أي : ]
موسى عليه الصلاة والسلام رحمة لهما :
ما خطبكما أي : خبركما ومخطوبكما أي : مطلوبكما ، وهو كالتعبير بالشأن عن المشؤون الذي يستحق أن يقع فيه التخاطب لعظمه ، في ذيادكما لأغنامكما عن السقي; قال
أبو حيان : والسؤال بالخطب إنما يكون في مصاب أو مضطهد.
ولما كان من المعلوم أن سؤاله عن العلة
قالتا [أي : ] اعتذارا عن حالهما ذلك; وتلويحا باحتياجهما إلى المساعدة :
لا [أي : ] خبرنا أنا لا
نسقي أي : مواشينا ، وحذفه للعلم به
حتى يصدر أي : ينصرف ويرجع
الرعاء أي : عن الماء لئلا يخالطهم - هذا على قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر بفتح الياء [وضم الدال] ثلاثيا- والمعنى على قراءة الباقين بالضم والكسر : يوجدوا الرد والصرف.
[ ص: 266 ] ولما كان التقدير : لأنا من النساء ، وكان المقام يقتضي لصغر سنهما أن لهما أبا ، وأن لا إخوة لهما وإلا لكفوهما ذلك ، عطفتا على هذا المقدر قولهما :
وأبونا شيخ كبير أي : لا يستطيع لكبره أن يسقي ، فاضطررنا إلى ما ترى ، وهذا اعتذار أيضا عن كون أبيهما أرسلهما لذلك لأنه ليس بمحظور ، فلا يأباه الدين ، والناس مختلفون في ذلك بحسب المروءة ، وعاداتهم فيها متباينة وأحوال
العرب والبدو تباين أحوال العجم والحضر ، لا سيما إذا دعت إلى ذلك ضرورة .