صفحة جزء
وقال فرعون جوابا لهذا الترغيب والترهيب بعد الإعذار ، ببيان الآيات الكبار ، قانعا في مدافعة ما رأى أنه اجتذب قومه الأغمار الأغبياء عن الجهل من ظهور تلك الآيات البينات بأن يوقفهم عن الإيمان إلى وقت ما ، وكذا كانت عادته كلما أظهر موسى عليه الصلاة والسلام برهانا ، لأن قومه في غاية الغباوة والعراقة في الميل إلى الباطل والنفرة من الحق وترجيح المظنة على المئنة : يا أيها الملأ أي : الأشراف ، معظما لهم استجلابا لقلوبهم ما علمت لكم وأعرق في النفي فقال : من إله غيري نفى علمه بذلك إظهارا للنصفة ، وأنه ما قصد غشهم ، وذلك منه واضح [في] أنه قصد تشكيكهم ، [ ص: 295 ] إشارة منه إلى أن انتقاء علمه بوجوده ما هو إلا لانتفاء وجوده بعد علمه بأن الحق مع موسى عليه الصلاة والسلام لأنه أنهى ما قدر عليه بعد رؤيتهم لباهر الآيات ، وظاهر الدلالات; ثم زاد في إيقافهم عن المتابعة بأن سبب عن جهله قوله لوزيره معلما له صنعة الآجر لأنه أول من عمله ، مع أنه هذه العبارة أشبه بهمم الجبابرة من أن يقول : اصنع لي آجرا : فأوقد لي أضاف الإيقاد إليه إعلاما بأنه لا بد منه يا هامان [و]هو وزيره على الطين أي : المتخذ لبنا ليصير آجرا; ثم سبب عن الإيقاد قوله : فاجعل لي أي : منه صرحا أي : بناء عاليا يتاخم السماء ، قال الطبري : وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر ، وقال الزجاج : كل بناء [متسع] مرتفع لعلي أطلع أي : أتكلف الطلوع إلى إله موسى [أي : ] الذي يدعو إليه ، فإنه ليس في الأرض أحد بهذا الوصف الذي ذكره فأنا أطلبه في السماء موهما لهم أنه مما يمكن الوصول إليه على تقدير صحة الدعوى بأنه موجود ، وهو قاطع بخلاف ذلك ، ولكنه يقصد المدافعة من وقت إلى وقت ، لعلمه أن العادة جرت بأن أكثر [ ص: 296 ] الناس يظنون بالملوك القدرة على كل ما يقولونه; ثم زادهم شكا بقوله ، مؤكدا لأجل دفع ما استقر في الأنفس من صدق موسى عليه الصلاة والسلام : وإني لأظنه أي : موسى من الكاذبين أي : دأبه ذلك ، وقد كذب هو ولبس لعنة الله ووصف أصدق أهل ذلك الزمان بالصفة العريقة في العدوان ، وإن كان هذا الكلام منه على حقيقته فلا شيء أثبت شهادة على إفراط جهله وغباوته منه حيث ظن أنه يصل السماء; ثم علل على تقدير الوصول يقدر على الارتقاء على ظهرها ، [ثم] على تقدير ذلك يقدر على منازعة بانيها وسامكها ومعليها.

التالي السابق


الخدمات العلمية