ولما كان كأنه قيل : ما لأهل القسم الأول لا يتوخون النجا من ضيق ذلك البلا ، إلى رحب هذا الرجا ، وكان الجواب : ربك منعهم من ذلك ، أو ما لم يقطع لأهل هذا القسم بالفلاح كما قطع لأهل القسم الأول بالشقاء؟ وكان الجواب : إن ربك لا يجب عليه شيء عطف عليه إشارة إليه قوله :
وربك أي : المحسن إليك ، بموافقة من وافقك ومخالفة من خالفك لحكم كبار ، دقت عن فهم أكثر الأفكار
يخلق ما يشاء من الهدى والضلال وغيرهما ، لأنه المالك المطلق لا مانع له من شيء من ذلك
ويختار أي : يوقع الاختيار ، لما يشاء فيريد الكفر للأشرار ، والإيمان للأبرار ، لا اعتراض عليه ، فربما ارتد أحد ممن أظهر المتاب ، لما سبق عليه من الكتاب ، فكان من أهل التباب فلا تأس على من فاتك كائنا من كان ، واعلم أنه ما ضر إلا نفسه ،
[ ص: 340 ] ومن فاتنا يكفيه أنا نفوته.
ولما أفهم هذا أن غيره سبحانه إذا أراد شيئا لم يكن إلا أن يوافق مراده تعالى ، صرح به بقوله :
ما كان لهم الخيرة أي : أن يفعلوا أو يفعل لهم كل ما يختارونه من إتيان الرسول بمثل ما أتى به
موسى عليه الصلاة والسلام أو غيره ، اسم من الاختيار ، يقام مقام المصدر ، وهو أيضا اسم المختار ، فهو تعبير بالمسبب عن السبب لأنه إذا خلى عنه كان عقيما فكان عدما ، قال
الرازي في اللوامع : وفيه دليل على أن العبد في اختياره غير مختار ، فلهذا
أهل الرضى حطوا الرحال بين يدي ربهم ، وسلموا الأمور إليه بصفاء التفويض ، يعني فإن أمرهم أو نهاهم بادروا ، وإن أصابهم بسهام المصائب العظام صابروا ، وإن أعزهم أعزوا أنفسهم وأكرموا ، وإن أذلهم رضوا وسلموا ، فلا يرضيهم إلا ما يرضيه ، ولا يريدون إلا ما يريده فيمضيه :
وقف الهوى بي حيث أنت فليس [لي] متأخر عنه ولا متقدم أجد الملامة في هواك لذيذة
حبا لذكرك فليلمني اللوم وأهنتني فأهنت نفسي صاغرا
ما من يهون عليك ممن أكرم
ولما كان إيقاع شيء على غير مراده نقصا ، وكان
وقوع الشرك [ ص: 341 ] سفولا وعجزا ، قال تعالى مشيرا إلى نتيجة هذه الآيات في نفي ذلك عنه :
سبحان الله أي : تنزه الجامع لصفات الكمال عن أن يختار أحد شيئا لا يريده فيصل إليه أو يقع بوجه عليه
وتعالى أي : علا علو المجتهد في ذلك ، فعلوه لا تبلغ العقول بوجه كنه هداه
عما يشركون لأنه لا إرادة لما ادعوهم شركاء ، ولو كانت لهم إرادة لتوقف إنفادها لعجزهم على إيجاد الخالق.