ولما كان التقدير :
فمن حكمته جعل لكم السمع والأبصار ، لتتدبروا آياته ، وتتبصروا في مصنوعاته ، عطف عليه
ومن رحمته أي : التي وسعت كل شيء لا من غيرها من خوف أو رجاء أو تعلق غرض من الأغراض
جعل لكم الليل والنهار آيتين عظيمتين دبر فيهما وبهما جميع مصالحكم ، وادخر معظم رحمته إلى الآخرة ،
[ ص: 345 ] ومحا آية الليل
لتسكنوا فيه أي : فلا تسعوا في معاشكم "و" جعل آية النهار مبصرة " لتبتغوا من فضله " بأن تسعوا في معاشكم بجهدكم ، فالآية من الاحتباك : ذكر أولا السكون دليلا على حذف السعي في المعاش ثانيا ، والابتغاء ثانيا دليلا على حذف عدم السعي في المعاش أولا.
ولما ذكر هذه النعمة التي أسبغها من هذه الرحمة ، وذكر علة جعله لها على الصفة المذكورة ، ذكر علة أخرى هي المقصودة بالذات لأنها نتيجة السمع والبصر اللذين ، قدم الحث على استعمالهما فقال :
ولعلكم تشكرون أي : وليكون حالكم حال من يرجى منه
الشكر بما يتجدد لكم بتقبلهما من النعم المتوالية المذكورة بالمنعم ، وبما دبر لكم رفقا بكم فيما كفلكم به في دار الأسباب من أمر المعاش والمعاد من الراحة بالسكون إثر ما أفادكم من الأرباح والمنح بالانتشار والتقلب ، وأما الآخرة فلما كانت غير مبنية على الأسباب ، وكانت
الجنة لا تعب فيها بوجه [من الوجوه] ، كان لا حاجة فيها إلى الليل.