ولما ساق العزيز الجليل هذا الدليل ، عما حاج به قومه
الخليل ، انتهزت الفرصة في إرشاد نبيه
إسماعيل عليهما الصلاة والسلام والتحية والإكرام ، وذلك أنه لما استدل عليه السلام على
الوحدانية المستلزمة للقدرة على المعاد بإبطال إلهية معبوداتهم المستلزم لإبطال كل
[ ص: 416 ] ما شاكلها ، فحصل الاستعداد للتصريح بأمر المعاد ، فصرح به ، كان ذلك فخرا عظيما ، ومفصلا بينا جسيما ، لإقامة الحجة على
قريش وسائر
العرب ، فانتهزت فرصته واقتحمت لجته ، كما هي عادة البلغاء ، ودأب الفصحاء الحكماء ، لأن ذلك كله إنما سيق تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم ووعظا لقومه فقيل :
قل [أي : ] يا
محمد لهؤلاء الذين تقيدوا بما تقلدوا من مذاهب آبائهم من غير شبهة على صحته أصلا : قد ثبت أن هذا كلام الله لما ثبت من عجزكم عن معارضته ، فثبت أن هذا الدليل كلام أبيكم
إبراهيم عليه الصلاة والسلام وأنتم مصرحون بتقليد الآباء غير متحاشين من معرته ولا أب لكم أعظم من
إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، فإذا قلدتم من لا يفارقه في عبادة ما لا يضر ولا ينفع من غير شبهة أصلا فقلدوا أباكم الأعظم في عبادة الله وحده لكونه أباكم ، ولما أقام على ذلك من الأدلة التي لا مراء فيها قال : أو
سيروا إن لم تقتدوا بأبيكم
إبراهيم عليه السلام ، وتتأملوا ما أقام من الدليل القاطع والبرهان الساطع
في الأرض إن لم يكفكم النظر في أحوال بلادكم.
ولما كان السياق لإثبات الإلهية التي تجب المبادرة إلى تفريغ الفكر وتوجيه كل الذهن إلى الاستدلال عليها ، عبر بالفاء المعقبة فقال :
[ ص: 417 ] فانظروا أي : نظر اعتبار
كيف بدأ أي : ربكم الذي خلقكم ورزقكم
الخلق من الحيوانات والنبات من الزروع والأشجار ، وغيرها مما تضمنته الجبال والسهول والأوعار ، وهذا يدل على أن الأول فيما هو أعم من الحيوان ، فتقريرهم على الإعادة فيه حسن.
ولما كان المقصود بالذات بيان الإعادة التي هي من أجل مقاصد السورة ، لإظهار ما مضى أولها من العدل يوم الفصل ، وكانوا بها مكذبين ، بين الاهتمام بأمرها بإبراز الاسم الأعظم بعد تكريره في هذا السياق غير مرة ، وأضمره في سياق البداءة لإقرارهم له بها ، إشارة إلى أنه باطن في هذه الدار ، ظاهر بجميع الصفات في تلك ، فقال :
ثم الله أي : الحائز لجميع صفات الكمال فلا يفوته شيء ، المتردي بالجلال ، فاخشوا سطوته ، واتقوا عقوبته ونقمته
ينشئ النشأة الآخرة بعد النشأة الأولى ، ثم علل ذلك بقوله مؤكدا تنزيلا لهم منزلة المنكر لإنكارهم البعث :
إن الله فكرر ذكره تنبيها بعد التيمن به على ما ذكره وعلى أنه في كل أفعاله لاسيما هذا مطلق غير مقيد بجهة من الجهات ، ولا مشروط بأمر من الأمور
على كل شيء قدير لأن نسبة الأشياء كلها إليه واحدة.