ولما انتفى نفعهم بعلمهم ، صح نفيه ، فكانوا وإياها على حد سواء ، ليس لفريق منهما شيء مما نوى ، فيا لها من صفقة خاسرة ، وتجارة كاسدة بائرة ، ولما كان ضرب المثل للشيء لا يصح إلا من العالم بذلك الشيء ، وكان النصير على شيء لا يمكن أن يتوجه إلى معارضته إلا أن يعلمه ويعلم مقدار قدرته ، وعدة جنوده ، وصل بذلك أن هذا شأنه سبحانه وأن شركاءهم في غاية البعد عن ذلك ، فكيف يعلقون بنصرهم آمالهم ، وزاد ذلك ذاك حسنا تعقيبه لنفي العلم عنهم ، فقال إشارة إلى جهلهم في إنكارهم أن يقدر أحد على إهلاك آلهتهم التي [هي] أوهي الأشياء :
إن الله أي : الذي له صفات الكمال
يعلم بما له من تلك الصفات
ما أي : الذي
يدعون أي : الذين ضرب لهم المثل ، أو أنتم في قراءة الفوقانية التفاتا إلى أسلوب الخطاب إيذانا بالغضب
من دونه إشارة إلى سفول رتبتهم ، وأكد العموم بقوله :
من شيء أي : سواء كان نجما أو صنما أو ملكا أو جنينا أو غيره ، وهم لا يعلمونه ولا يعلمون شيئا مما يتوصلون إليه ، فكيف يشفعون عنده أو ينصرون
[ ص: 444 ] منه ، وإليه الإشارة بقوله :
وهو العزيز أي : عن أن يعلمه شركاؤهم أو يحيط به أحدا علما ، أو يمتنع عليه شيء يريده; وجوزوا أن تكون "ما" نافية ، أي : شيء يعتد به. ولما كان ذلك ربما أفهم أنه لا يعلم أصلا قال :
الحكيم أي : البالغ العلم ، الواضع كل شيء يريده في أكمل مواضعه ، فأبطن نفسه بكبريائه وجلاله حتى لا باطن سواه ، وأظهرها بأفعاله وما كشف من جماله حتى لا ظاهر في الحقيقة غيره ، وهو يغلب من شاء بعزته ، ويمهله إن شاء بحكمته ، فلا يغتر أحد بإمهاله فيظن أنه لإهماله.