ولما أشار بالتوكل إلى أنه الكافي في أمر الرزق في الوطن والغربة ، لا مال ولا أهل ، قال عاطفا على ما تقديره : فكأي
من متوكل عليه كفاه ، ولم يحوجه إلى أحد سواه ، فليبادر من أنقذه من الكفر وهداه إلى الهجرة طالبا لرضاه :
وكأين من دابة أي : كثير من الدواب العاقلة وغيرها
لا تحمل أي : لا تطيق أن تحمل
رزقها ولا تدخر شيئا لساعة أخرى ، لأنها قد لا تدرك نفع ذلك ، وقد تدركه وتتوكل ، أو لا تجد.
ولما كان موضع أن يقال : فمن يرزقها؟ قال جوابا له :
الله أي :
المحيط علما وقدرة ، المتصف بكل كمال يرزقها وهي لا تدخر
وإياكم وأنتم تدخرون ، لا فرق بين ترزيقه لها على ضعفها وترزيقه لكم
[ ص: 469 ] على قوتكم وادخاركم ، فإن الفريقين تارة يجدون وتارة لا يجدون ، فصار الادخار وعدمه غير معتد به ولا منظور إليه.
ولما كان أهم ما للحيوان الرزق ، فهو لا يزال في تدبيره بما يهجس في ضميره وينطق به إن كان ناطقا ويهمهم به إن كان صامتا ، أما العاقل فبأمور كلية ، وأما غيره فبأشياء جزئية وحدانية ، وكان العاقل ربما قال : إني لا أقدر على قطع العلائق من ذلك ، قال تعالى :
وهو السميع أي : لما يمكن أن يسمع في أمره وغير أمره
العليم أي : بما يعلم من ذلك ، وبما يصير إليه أمركم وأمر عدوكم ، فهو لم يأمركم بما أمركم به إلا وقد أعد له أسبابه ، وهو قادر على أن يسبب لما اعتمد عليه الإنسان من الأسباب المنتجة عنده ولابد ما يعطله ، وعلى أن يسبب للمتوكل القاطع للعلائق ما يغنيه ، ومن طالع كتب التصوف وتراجم القوم وسير السلف - نفعنا الله بهم - وجد كثيرا من ذلك بما يبصره ويسليه سبحانه ويصبره.