ولما هون سبحانه أمر الرزق بخطابه مع المؤمنين بعد أن [كان قد] أبلغ في تنبيه الكافرين بإيضاح المقال ، وضرب الأمثال ، ولين المحاورة في الجدال ، ولما كان الملك لا يتمكن غاية التمكن من ترزيق من في غير مملكته ، قال [عاطفا على نحو: فلئن سألتهم عن ذلك ليصدقنك]
[ ص: 470 ] عائدا إلى استعطاف المعرضين ، واللطف بالغافلين ، ناهجا في تفنين الوعظ أعني طرق الحكمة ، فإن السيد إذا كان له عبدان : مصلح ومفسد ، ينصح المفسد ، فإن لم يسمع التفت إلى المصلح ، إعراضا عنه قائلا : هذا لا يستحق الخطاب ، فاسمع أنت ولا تكن مثله ، فكان قوله متضمنا نصح المصلح وزجر المفسد ، ثم إذا سمع وعظ أخيه كان ذلك محركا منه بعد التحريك بالإعراض والذم بسوء النظر لنفسه وقلة الفطنة ، فإذا خاطبه بعد هذا وجده متهيئا للقبول ، نازعا إلى الوفاق ، مستهجنا للخلاف :
ولئن سألتهم أي : المؤمن وغيره ، وأغلب القصد له :
من خلق السماوات والأرض وسواهما على هذا النظام العظيم
وسخر الشمس والقمر لإصلاح الأقوات ، ومعرفة الأوقات ، وغير ذلك من المنافع.
ولما كان
حالهم في إنكار البعث حال من ينكر أن يكون سبحانه خلق هذا الوجود ، أكد تنبيها على أن الاعتراف بذلك يلزم منه الاعتراف بالبعث فقال :
ليقولن الله أي : الذي له جميع صفات الكمال لما قد تقرر في فطرهم من ذلك وتلقفوه عن آبائهم موافقة للحق في نفس الأمر.
ولما كان حال من صرف الهمة عنه عجبا يستحق أن يسأل عنه
[ ص: 471 ] على وجه التعجب منه إشارة إلى أنه لا وجه له ، قال
فأنى أي : فكيف ومن أي وجه
يؤفكون أي : يصرف من صارف ما من لم يتوكل عليه أو لم يخلص له العبادة في كل أحواله ، وجميع أقواله وأفعاله ، عن الإخلاص له مع إقرارهم بأنه لا شريك له في الخلق فيكون وجهه إلى قفاه فينظر الأشياء على خلاف ما هي عليه فيقع في خبط العشواء وحيرة العجباء.