ولما ثبت بهذا شمول علمه ، لزم تمام قدرته كما برهن عليه في طه ، فقال مشيرا إلى ذلك ذاكرا السبب القريب في الترزيق بعدما ذكر البعيد ، فإن الاعتراف بأن هذا السبب منه يستلزم الاعتراف بأن المسبب أيضا منه :
ولئن سألتهم من نـزل بحسب التدريج على حسب ما [فعل] في الترزيق ، [ولما كان ربما ادعى مدع أنه استنبط ماء فأنزله من جبل ونحوه ، ذكر ما يختص به سبحانه سالما عن دعوى المدعين فقال] :
من السماء ماء بعد أن كان مضبوطا في جهة العلو
[ ص: 473 ] فأحيا [ولما كان
أكثر الأرض يحيا بماء المطر من غير حاجة إلى سقي ، قدم الجار فقال] :
به الأرض الغبراء ، وأشار بإثبات الجار إلى قرب الإنبات من زمان الممات ، [وإلى أنهم لا يعلمون إلى الجزئيات الموجودة المحسوسة ، ولا تنفذ عقولهم إلى الكليات المعقولة نفوذ أهل الإيمان ليعلموا أن ما أوجده سبحانه بالفعل في وقت فهو موجود إما بإيجاده إذا أراد ،
فالأرض حية بإحيائه سبحانه بسبب المطر في جميع الزمن الذي هو بعد الموت بالقوة كما أنها حية في بعضها بالفعل] فقال :
من بعد موتها فصارت خضراء تهتز بعد أن لم يكن بها شيء من ذلك ، وأكد لمثل ما تقدم من التنبيه على أن حالهم في إنكار البعث حال من ينكر أن يكون الله صانع ذلك ، لملازمة القدرة عليه القدرة على البعث [بقوله : ]
ليقولن الله وهو الذي الكمال كله ، فلزمهم توحيده.
فلما ثبت أنه الخالق بدءا وإعادة كما يشاهد في كل زمان ، قال منبها على عظمة صفاته اللازم من إثباتها صدق رسوله صلى الله عليه وسلم :
قل معجبا منهم في جمودهم حيث
يقرون بما يلزمهم التوحيد ثم لا يوحدون :
الحمد أي : الإحاطة بأوصاف الكمال كلها
لله الذي لا سمي له وليس لأحد غيره إحاطة بشيء من الأشياء ، فلزمهم الحجة بما
[ ص: 474 ] أقروا به من إحاطته ، وهم لا يثبتون ذلك بإعراضهم عنه
بل أكثرهم لا يعقلون [أي : لا يتجدد لهم عقل ، بعضهم مطلقا لأنه مات كافرا] حيث هم مقرون بمعنى الحمد من أنه الخالق لكل شيء بدءا وإعادة ثم يفعلون ما ينافي ذلك فيشركون به غيره مما هم معترفون بأنه خلقه ولا يتوكلون في جميع الأمور برا وبحرا عليه ويوجهون العبادة خالصة إليه ، فهم لا يعرفون معنى الحمد حيث لم يعملوا به ، [ومنهم من آمن بعد ذلك فكان في الذروة من
كمال العقل في التوحيد الذي يتبعه سائر الفروع ، ومنهم من كان دون ذلك ، فكان نفي العلم عنه مقيدا بالكمال].