ولما كان
الظلم وضع الشيء في غير محله ، وكان وضع الشيء في موضع لا يمكن أن يقبله [أظلم] الظلم ، كان فعلهم هذا الذي هو إنزال ما لا يعلم شيئا ولا يقدر [على شيء في منزلة من يعلم كل شيء ويقدر] على كل مقدور أظلم الظلم ، فكان التقدير : فمن أظلم منهم في ذلك ، عطف عليه قوله :
ومن أظلم أي : أشد وضعا للأشياء في غير مواضعها ، لأنه لا نور له بل هو في ظلام الجهل يخبط
ممن افترى أي : تعمد
على الله كذبا أي : أي كذب كان من الشرك وغيره كما كانوا يقولون إذا فعلوا فاحشة : وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها
أو كذب بالحق من هذا
القرآن المعجز المبين ، على لسان هذا الرسول الأمين الذي ما أخبر خبرا إلا طابقه الواقع
لما أي : حين
جاءه من غير إمهال إلى أن ينظر ويتأمل فيما جاءه من الأمر الشديد الخطر.
ولما كان التقدير : لا أحد أظلم منه ، بل هو أظلم الظالمين ، فهو كافر ومأواه جهنم ، وكان من المعلوم أنهم يقولون عنادا : ليس الأمر كذلك ، قال إنكارا عليهم ، ولأن فعلهم فعل المنكر ، وتقريرا لهم لأن همزة الإنكار إذا دخلت على النفي كانت للتقرير ، عدا به بمنزلة ما
[ ص: 481 ] لا نزاع فيه أصلا :
أليس في جهنم مثوى أي : منزل وموضع إقامة وحبس له وقد ارتكب هذا الكفر العظيم - هكذا كان الأصل- ولكنه لقصد التعميم وتعليق الفعل بالوصف قال :
للكافرين أي : الذين يغطون أنوار الحق الواضح ، أو ليس هو من الكافرين؟ أي : إن كلا من المقدمتين صحيح لا إنكار فيه ، ولا ينتظم إنكارهم إلا بإفساد إحديهما ، أما كفره للمنعم بعد إنجائه من الهلاك حيث عبد غيره فلا يسع عاقلا إنكاره ، وأما كون جهنم تسعه بعد إخبار القادر به فلا يسع مقرا بالقدرة إنكاره ، فالمقدمتان مما لا مطعن فيه عندهم ، فأنتجتا أن مثواه جهنم ، [وصار القياس هكذا : عابد غير من أنجاه كافر ،
وكل كافر مثواه جهنم ، فعابد غير من أنجاه مثواه جهنم].