ولما ذكر المقلة والمظلة ومن فيهما، وبعض صفاتهم اللازمة، ذكر ما ينشأ عن كل من ذلك من الصفات المفارقة فقال:
ومن آياته أي [على] ذلك وغيره من أنواع القدرة والعلم
منامكم أي نومكم ومكانه وزمانه الذي يغلبكم بحيث لا تستطيعون له دفعا.
ولما كان الليل محل السكن والراحة والنوم، ذكر ما جعل من نوم النهار أيضا لأن ذلك أدل على الفعل بالاختبار فقال:
بالليل والنهار أي الناشئين عن السماوات والأرض باختلاف الحركات التي لا تنشأ إلا عن فاعل مختار وانقطاعكم بالنوم عن معاشكم [وكل ما يهمكم] وقيامكم بعد منامكم أمرا قهريا لا تقدرون على الانفكاك عن واحد منهما أصلا
وابتغاؤكم أي طلبكم بالجد والاجتهاد
من فضله بالمعاش فيهما، فالآية من الاحتباك: دل ذكر النوم على القيام منه، ودل
[ ص: 72 ] الابتغاء على الانقطاع عنه، حذف نهاية الأول وبداية الثاني
إن في ذلك أي الأمر العظيم العالي الرتبة من إيجاد النوم بعد النشاط، والنشاط بعد النوم الذي هو الموت الأصغر، وإيجاد كل من الملوين بعد إعدامهما، والجد في الابتغاء مع المفاوتة في التحصيل
لآيات أي عديدة على القدرة والحكمة لا سيما البعث.
ولما كانت هذه الآيات في دلالتها على ما تشير إليه من البعث والفعل بالاختيار دقيقة لا يستقل العقل بها دون توقيف من الدعاة لأنه قد يسند النوم والابتغاء إلى العباد ولا يتجاوز عن ذلك إلى الخالق إلا الأفراد من خلص العباد، وكان النائم يقوم صافي الذهن فارغ السر نشيط البدن. قال:
لقوم يسمعون أي من الدعاة النصحاء سماع من انتبه من نومه فجسمه مستريح نشيط وقلبه فارغ عن مكدر للنصح مانع من قبوله، أو المعنى: لقوم هم أهل للسمع بأن يكونوا قد تنبهوا من رقادهم، فرجعوا عن عنادهم، إشارة إلى أن من لم يتأمل في هذه الآيات فهو نائم لا مستيقظ. فهو غير متأهل لأن يسمع.