ولما بدأ بفاقد حاسة السمع لأنها أنفع من حيث إن الإنسان إنما يفارق غيره من البهائم بالكلام، أتبعها حاسة البصر مشيرا بتقديم الضمير إلى أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في هدايتهم اجتهاد من كأنه يفعله بنفسه تدريبا لغيره في الاقتصاد في الأمور فقال:
وما أنت بهاد العمي أي بموجد لهم هداية وإن كانوا يسمعون،
[ ص: 126 ] هذا في قراءة الجماعة غير
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة، وجعله
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة فعلا مضارعا مسندا إلى المخاطب من هدى، فالتقدير: وما أنت تجدد هداية العمي
عن ضلالتهم إذا ضلوا عن الطريق فأبعدوا وإن كان أدنى ضلال، بما أشار إليه التأنيث، وإن أتعبت نفسك في نصيحتهم، فإنهم لا يسلكون السبيل إلا وأيديهم في يدك ومتى غفلت عنهم وأنت لست بقيوم رجعوا إلى ضلالهم، فالمنفي في هذه الجملة في قراءة الجمهور ما تقتضيه الاسمية من دوام الهداية مؤكدا، وقراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة ما يقتضيه المضارع من التجدد وفي التي قبلها ما تقتضيه الفعلية المضارعة من التجدد ما دام مشروطا بالإدبار، وفي الأولى تجدد السماع مطلقا فهي أبلغ ثم التي بعدها، فممثول الصنف الأول [من] لا يقبل الخير بوجه ما مثل
أبي جهل وأبي بن خلف، والثاني من [قد] يقارب مقاربة ما مثل
عتبة بن ربيعة حين كان يقول لهم: خلوا بين هذا الرجل وبين الناس، فإن أصابوه فهو ما أردتم وإلا فعزه عزكم، والثالث المنافقون، وعبر في الكل بالجمع لأنه أنكأ، والله الموفق.
ولما كان ذلك كناية عن إيغالهم في الكفر، بينه [ببيان أن المراد موت القلب وصممه وعماه لا الحقيقي] بقوله:
إن أي ما
[ ص: 127 ] تسمع إلا من يؤمن أي يجدد إيمانه مع الاستمرار مصدقا
بآياتنا أي فيه قابلية ذلك دائما، فهو يذعن للآيات المسموعة، ويعتبر بالآيات المصنوعة، وأشار بالإفراد في الشرط إلى أن لفت الواحد عن رأيه أقرب من لفته وهو مع غيره، وأشار بالجمع في الجزاء إلى أن هذه الطريقة إن سلكت كثر التابع فقال:
فهم أي فتسبب عن قبولهم لذلك أنهم
مسلمون أي منقادون للدليل غاية الانقياد غير جامدين مع التقليد.