ولما أبانت هذه السورة طرق الإيمان أي بيان، وألقت على وجوه أهل الطغيان غاية الخزي والهوان، وكان التقدير: لقد أتينا في هذه السورة خاصة بعد عموم ما في سائر القرآن بكل حجة لا تقوم لها الأمثال، ولم نبق لأحد عذرا ولا شيئا من إشكال، لكونها ليس لها في وضوحها مثال، عطف عليه قوله صارفا الكلام إلى مقام العظمة تقبيحا لمخالفتهم لما يأتي من قبله وترهيبا من الأخذ مؤكدا لأنهم
[ ص: 135 ] ينكرون أن يكون في القرآن دلالة، ومن أقر منهم مع الكفر فكفره قائم مقام إنكاره:
ولقد ضربنا .
ولما كانت العناية فيها بالناس أكثر، قال:
للناس فقدمهم في الذكر
في هذا القرآن أي عامة هذه السورة وغيرها
من كل مثل أي معنى غريب هو أوضح وأثبت من أعلام الجبال، في عبارة هي أرشق من سائر الأمثال.
ولما كان المختوم على مشاعرهم منهم لا يؤمنون بشيء. وكان ذلك من أدل دليل على علمه تعالى وقدرته، قال مقسما تكذيبا لقولهم في الاقتراحات خاصا من أهل العلم والإيمان رأسهم، دلالة على أن التصرف في القلوب من العظم بمكانة تجل عن الوصف، معبرا بالشرط إعلاما بأنه سبحانه لا يجب عليه شيء، عاطفا على نحو: فلم ينفعهم شيء من ذلك:
ولئن جئتهم أي الناس عامة
بآية أي دلالة واضحة على صدقك معجزة، غير ما جئتهم به مما اقترحوه ووعدوا الإيمان به مرئية كانت أو مسموعة
ليقولن الذين كفروا أي حكمنا بكفرهم غلظة وجفاء، ودل على [فرط] عنادهم بقوله:
إن أي ما ولما كان التخصيص بالغلظة أشد على النفس، ضم إليه أتباعه تسلية وبيانا لعظيم شقاقهم فقال:
أنتم أي أيها الآتي بالآية وأتباعه
[ ص: 136 ] إلا مبطلون أي من أهل العرافة في الباطل بالإتيان بما لا حقيقة له في صورة ما له حقيقة، وأما الذين آمنوا فيقولون: نحن بهذه الآية مؤمنون.