ولما ثبت بهذا الخلق العظيم على هذا الوجه المحكم عزته وحكمته، ثبتت ألوهيته فألزمهم وجوب توحيده في العبادة كما توحد بالخلق،
[ ص: 154 ] لأن ذلك عين الحكمة، كما كان خلقه لهذا الخلق على هذا النظام ليدل عليه سبحانه سر الحكمة، فقال ملقنا للمحسنين من حزبه ما ينبهون به المخالفين موبخا لهم مقبحا لحالهم في عدولهم عنه مع علمهم بما له من التفرد بهذه الصنائع:
هذا [أي] الذي تشاهدونه كله
خلق الله أي الذي له جميع العظمة فلا كفؤ له.
ولما كان العاقل بل وغيره لا ينقاد لشيء إلا إن رأى له فعلا يوجب الانقياد له، نبه على ذلك بقوله جوابا لما تقديره: فإن ادعيتم لما دونه مما عبدتموه من دونه خلقا عبدتموه لأجله:
فأروني ماذا خلق الذين زاد اسم الإشارة زيادة في التقريع بتأكيد النفي المقصود من الكلام، ونبه على سفول رتبتهم بقوله مضمرا لأنه ليس فيما أسند إلى الاسم الأعظم حيثية يخشى من التقييد بها نقص:
من دونه فسأله في رؤية ما خلقوا غبنه أحد أصلا بأن انقدتم لما لا ينقاد له حيوان فضلا عن إنسان بكونه لا فعل له أصلا، فكان من حقكم - إن كانت لكم عقول - أن تبحثوا أولا [هل] لهم أفعال أم لا؟ ثم إذا ثبت فهل هي محكمة أم لا، ثم إذا ثبت فهل شاركهم غيرهم أم لا، وإذا
[ ص: 155 ] ثبت أن غيرهم شاركهم فأيهما أحكم وأما أنكم تنقادون لهم ولا فعل لهم أصلا ثم تقدرون أن لهم أفعالا ترجونهم بها وتخشونهم، فهذا ما لا يتصوره حيوان أصلا، ولذلك قال تعالى:
بل منبها على أن الجواب: ليس لهم خلق، بل عبدتهم أو أنتم في جعلهم شركاء، هكذا كان الأصل، ولكنه قال:
الظالمون أي العريقون في الظلم، تعميما وتنبيها على الوصف الذي أوجب لهم كونهم
في ضلال عظيم جدا محيط بهم
مبين أي في غاية الوضوح، وهو كونهم يضعون الأشياء عنهم بجبال الهوى فلا حكمة لهم.