ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من أمر
عيسى عليه الصلاة والسلام من ابتداء تكوينه إلى انتهاء رفعه وما كان بعده من أمر أتباعه مشيرا بذلك إلى ما فيه من بدائع الحكم وخزائن العلوم واللطائف المتنزلة على مقادير الهمم على أتقن وجه وأحكمه وأتمه وأخلصه وأسلمه، وختمه بالتنفير من الظلم، وكان الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وكان هذا القرآن العظيم قد حاز من حسن الترتيب ورصانة النظم بوضع كل شيء منه لفظا ومعنى في محله الأليق به المحل الأعلى، لا سيما هذه الآيات التي أتت بالتفصيل من أمر
عيسى عليه الصلاة والسلام، فلم تدع فيه شكا ولا أبقت شبهة ولا لبسا، أتبع ما تقدم من تفصيل الآيات البينات قوله منبها على عظمة هذه الآيات الشاهدات الآتي بها صلى الله عليه وسلم بأوضح الصدق بإعجازها في نظمها وفي العلم بمضامينها من غير معلم من البشر كما تقدم نحو ذلك في
ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك ذلك أي النبأ العظيم والأمر الجسيم الذي لم تكن تعلم شيئا منه ولا علمه من شبان قومك
[ ص: 425 ] نتلوه أي نتابع قصه بما لنا من العظمة
عليك وأنت أعظم الخلق حال كونه
من الآيات أي التي لا إشكال فيها، ويجوز أن يكون خبر اسم الإشارة،
والذكر الحكيم إشارة إلى ذلك لأن الحكمة وضع الشيء في أعدل مواضعه وأتقنها، وأشار بأداة البعد تنبيها على علو منزلته ورفيع قدره.