ولما كان الغني قد يكون ماله محصورا كما في السماوات والأرض الذي قدم أنه له، والمحمود قد يكون ما يحمد عليه مضبوطا مقصورا أثبت أنه على غير ذلك، [بل] لا حد لغناه، ولا ضبط لمعلوماته ومقدوراته الموجبة لحمده ولا تناه، فقال:
ولو أي له الصفتان المذكورتان والحال أنه لو
أنما في الأرض أي كلها، ودل على الاستغراق وتقصي كل فرد فرد من الجنس بقوله:
من شجرة حيث وحدها
أقلام أي والشجرة يمدها من بعدها على سبيل المبالغة سبع شجرات، وأن ما في الأرض من بحر مداد لتلك الأقلام
والبحر أي والحال أن البحر، وعلى قراءة البصريين بالنصب التقدير: ولو أن البحر
يمده أي يكون مددا وزيادة فيه
من بعده أي
[ ص: 197 ] من ورائه
سبعة أبحر فكتب بتلك الأقلام وذلك المداد الذي الأرض كلها له دواة كلمات الله
ما نفدت وكرر الاسم الأعظم تعظيما للمقام فقال مظهرا للإشارة مع التبرك إلى عدم التقيد بشيء وإن جل:
كلمات الله وفنيت الأقلام والمداد، وأشار بجمع القلة مع الإضافة إلى اسم الذات إلى زيادة العظمة بالعجز عن ذلك القليل فيفهم العجز عن الكلم من باب الأولى، ويتبع الكلمات الإبداع، فلا تكون كلمة إلا لإحداث شأن من الشؤون
إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون وعلم من ذلك نفاد الأبحر كلها لأنها محصورة، فهي لا تفي بما ليس بمحصور، فيا لها من عظمة لا تتناهى! ومن كبرياء لا تجارى، ولا تضاهى، لا جرم كان نتيجة ذلك قوله مؤكدا لأن ادعاءهم الشريك إنكار للعزة، وعدم البعث إنكار للحكمة:
إن الله أي المحيط بكل شيء قدرة وعلما من غير قيد أصلا
عزيز أي يعجز كل شيء ولا يعجزه شيء
حكيم يحكم ما أراده، فلا يقدر أحد على نقضه، ولا علم لأحد من خلقه إلا ما علمه، ولا حكمة لأحد منهم إلا بمقدار ما أورثه، وقد علم أن الآية من الاحتباك: ذكر الأقلام دليلا على
[ ص: 198 ] حذف مدادها، وذكر السبعة [في] مبالغة الأبحر دليلا على حذفها في الأشجار، وهو من عظيم هذا الفن، وعلم أيضا من السياق أن المراد بالسبعة المبالغة في الكثرة لا حقيقتها، وأن المراد بجمع القلة في "أبحر" الكثرة، لقرينة المبالغة، وبجمع القلة في " كلمات " حقيقتها لينتظم المعنى، وكل ذلك سائغ شائع في لغة
العرب.