[ ص: 262 ] ولما كان التقدير: يرجعون [عن] ظلمهم فإنهم ظالمون، عطف عليه [قوله:]
ومن أظلم منهم هكذا [كان] الأصل ولكنه أظهر الوصف الذي صاروا أظلم فقال:
ممن ذكر أي من أي مذكر كان وصرف القول إلى صفة الإحسان استعطافا وتنبيها على وجوب الشكر فقال:
بآيات ربه أي الذي لا نعمة عنده إلا منه.
ولما بلغت هذه الآيات من الوضوح أقصى الغايات، فكان الإعراض عنها مستبعدا بعده، عبر عنه بأداة البعد لذلك فقال:
ثم أعرض عنها ضد ما عمله الذين لم يتمالكوا أن خروا سجدا، ويجوز - وهو أحسن - أن يكون "ثم" على بابها للتراخي، ليكون المعنى أن من وقع له التذكير بها في وقت ما، فأخذ يتأمل فيها ثم أعرض عنها بعد ذلك ولو بألف عام فهو أظلم الظالمين، ويدخل فيه ما دون ذلك عن باب الأولى لأنه أجدر بعدم النسيان، فهي أبلغ من التعبير بالفاء كما في سورة الكهف، ويكون عدل إلى الفاء هناك شرحا لما يكون من حالهم، عند بيان سؤالهم، الذي جعلوا بيانه آية الصدق، والعجز عن آية الكذب.
ولما كان الحال مقتضيا للسؤال عن جزائهم، و [كان] قد أفرد الضمير باعتبار لفظ "من" تنبيها على قباحة الظلم من كل فرد،
[ ص: 263 ] قال جامعا لأن إهانة الجمع دالة على إهانة الواحد من باب الأولى، مؤكدا لأن إقدامهم على التكذيب كالإنكار لأن تجاوزوا عليه، صارفا وجه الكلام عن صفة الإحسان إيذانا بالغضب:
إنا منهم، هكذا كان الأصل، ولكنه أظهر الوصف نصا في التعميم وتعليقا للحكم به معينا لنوع ظلمهم تبشيعا له فقال:
من المجرمين [أي] القاطعين لما يستحق الوصل خاصة
منتقمون وعبر بصيغة العظمة تنبيها على أن الذي يحصل لهم من العذاب لا يدخل تحت الوصف على مجرد العداد في الظالمين، فكيف وقد كانوا أظلم الظالمين؟ والجملة الاسمية تدل على دوام ذلك عليهم في الدنيا إما باطنا بالاستدراج بالنعم، وإما ظاهرا بإحلال النقم، وفي الآخرة بدوام العذاب على مر الآباد.