ولما نهى سبحانه عن التبني، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تبنى
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة مولاه لما اختاره على أبيه وأمه، علل سبحانه النهي فيه بالخصوص بقوله دالا على أن الأمر أعظم من ذلك:
النبي أي الذي ينبئه الله بدقائق الأحوال في بدائع الأقوال، ويرفعه دائما في مراقي الكمال، ولا يريد أن يشغله بولد ولا مال
أولى بالمؤمنين أي الراسخين في الإيمان، فغيرهم أولى في كل شيء من أمور الدين
[ ص: 290 ] والدنيا لما حازه من الحضرة الربانية
من أنفسهم فضلا عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم، لأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم، فهو يتصرف فيهم تصرف الآباء بل الملوك [بل] أعظم بهذا السبب الرباني، فأي حاجة له إلى السبب الجسماني
وأزواجه أي اللاتي دخل بهن لما لهن من حرمته
أمهاتهم أي المؤمنين من الرجال خاصة دون النساء، لأنه لا محذور من جهة النساء، وذلك في الحرمة والإكرام، والتعظيم والاحترام، وتحريم النكاح دون جواز الخلوة والنظر وغيرهما من الأحكام، والتعظيم بينهن وبين الأمهات في ذلك أصلا، فلا يحل انتهاك حرمتهن بوجه ولا الدنو من جنابهن بنوع نقص، لأن حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أعظم من حق الوالد على ولده، وهو حي في قبره وهذا أمر جعله الله وهو إذا جعل شيئا كان، لأن الأمر أمره والخلق [خلقه،] وهو العالم بما يصلحهم وما يفسدهم
ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير روى الشيخان عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه
[ ص: 291 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652224 "ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، اقرؤوا إن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن ترك مالا فلترثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني وأنا مولاه" .
ولما رد الله سبحانه الأشياء إلى أصولها، ونهى عن التشتت والتشعب، وكان من ذلك أمر التبني، وكان من المتفرع عليه الميراث بما كان قديما من الهجرة والنصرة والأخوة التي قررها النبي صلى الله عليه وسلم لما كان الأمر محتاجا إليها، وكان ذلك قد نسخ بالآية التي في آخر الأنفال، وهي قبل هذه السورة ترتيبا ونزولا، وكان ما ذكر هنا فردا داخلا في عموم العبارة في تلك الآية، أعادها هنا تأكيدا وتنصيصا على هذا الفرد للاهتمام به مع ما فيها من تفصيل وزيادة فقال:
وأولو الأرحام أي القرابات بأنواع النسب من النبوة وغيرها
بعضهم أولى بحق القرابة
ببعض في جميع المنافع العامة للدعوة والإرث والنصرة والصلة
في كتاب الله أي قضاء الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وحكمه كما تقدم في كتابكم هذا، وكما أشار
[ ص: 292 ] إليه الحديث الماضي آنفا.
ولما بين أنهم أولى بسبب القرابة، بين المفصل عليه فقال:
من أي هم أولى بسبب القرابة من
المؤمنين الأنصار من [غير] قرابة مرجحة
والمهاجرين المؤمنين من غير قرابة كذلك، ولما كان المعنى: أولى في كل نفع، استثنى منه على القاعدة الاستثناء من أعم العام قوله، لافتا النظم إلى أسلوب الخطاب ليأخذ المخاطبون منه أنهم متصفون بالرسوخ في الإيمان الذي مضى ما دل عليه في آية الأولوية من التعبير بالوصف، فيحثهم ذلك على فعل المعروف:
إلا أن تفعلوا [أي] حال كونكم موصلين ومسندين
إلى أوليائكم بالرق أو التبني أو الحلف في الصحة مطلقا وفي المرض من الثلث تنجيرا أو وصية
معروفا تنفعونهم به، فيكون حينئذ ذلك الولي مستحقا لذلك، ولا يكون ذو الرحم أولى منه، بل لا وصية لوارث.
ولما أخبر أن هذا الحكم في كتاب الله، أعاد التنبيه على ذلك تأكيدا قلعا لهذا الحكم الذي تقرر في الأذهان بتقريره سبحانه فيما مضى فقال مستأنفا:
كان ذلك [أي] الحكم العظيم
في الكتاب [ ص: 293 ] أي القرآن في آخر سورة الأنفال
مسطورا بعبارة تعمه، قال
الأصبهاني: وقيل: في التوراة، لأن في التوراة: إذا نزل رجل بقوم من أهل دينه فعليهم أن يكرموه ويواسوه، وميراثه لذوي قرابته، فالآية من الاحتباك: أثبت وصف الإيمان أولا دليلا على حذفه ثانيا ووصف الهجرة ثانيا دليلا على حذف النصرة أولا.