[ ص: 312 ] ولما كانوا لما عندهم من التقيد بالوهم، والدوران مع الحس دأب البهم، جديرين بأن يقولوا: بلى ينفعنا لأنا طالما رأينا من هرب فسلم، ومن ثبت فاصطلم، أمره بالجواب عن هذا بقوله:
قل أي لهم منكرا عليهم:
من ذا الذي يعصمكم أي يمنعكم
من الله المحيط بكل شيء قدرة وعلما قبل الفرار وفي حال الفرار وبعده
إن أراد بكم سوءا فأناخ بكم نقمه فيرد ذلك السوء عنكم
أو يهينكم ويقبح جانبكم ويمتهنه بأن يصيبكم بسوء إن
أراد بكم رحمة فأفادكم نعمه، والرحمة النفع سماه بها لأنه أثرها، قيسوا هذا المعنى على مقاييس عقولكم معتبرين له بما وجدتم من الشقين في جميع أعماركم، هل احترزتم عن سوء إرادة فنفعكم الاحتراز، أو اجتهد غيره في منعكم رحمة منه فتم له أمره أو أوقع الله بكم شيئا من ذلك فقدر أحد مع بذل الجهد على كشفه بدون إذنه؟ ويمكن أن تكون الآية من الاحتباك: ذكر السوء أولا دليلا على حذف ضده ثانيا، وذكر الرحمة ثانيا دليلا على حذف ضدها أولا.
ولما كانوا أجمد الناس، أشار سبحانه بكونهم لم يبادروهم بأنفسهم
[ ص: 313 ] الجواب بما يدل على المناب إلى جمودهم بالعطف على ما علم أن تقديره جوابا من كل ذي بصيرة: لا يعصمهم أحد من دونه من شيء من ذلك، ولا يصيبهم بشيء منه، فقال:
ولا يجدون أي في وقت من الأوقات
لهم ونبه على أنه لا شيء إلا وهو في قبضته سبحانه وأنه لا إحاطة لشيء غيره بشيء حتى ولا بالرتب التي دون رتبته بقوله مثبتا الجار:
من دون الله وعبر بالاسم العلم إشارة إلى إحاطته بكل وصف جميل، فمن أين يكون لغيره الإلمام بشيء منها إلا بإذنه
وليا يواليهم فينفعهم بنوع نفع
ولا نصيرا ينصرهم من أمره فيرد ما أراده من السوء عنهم.