ولما أخبر عما حصل في هذه الوقعة من الشدائد الناشئة عن الرعب لعامة الناس، وخص من بينهم المنافقين بما ختمه بالملامة في ترك التآسي بمن أعطاه الله قيادهم، وأعلاه عليهم في الثبات والذكر، وختم هذا الختم بما يثمر الرسوخ في الدين، ذكر حال الراسخين في أوصاف الكمال المتأسين بالداعي، المقتفين للهادي، فقال عاطفا على
هنالك ابتلي المؤمنون ولما رأى المؤمنون أي الكاملون في الإيمان
الأحزاب الذين
[ ص: 325 ] أدهشت رؤيتهم القلوب
قالوا أي مع ما حصل لهم من الزلزال وتعاظم الأحوال:
هذا أي الذي نراه من الهول
ما وعدنا من تصديق دعوانا الإيمان بالبلاء والامتحان
الله الذي له الأمر كله
ورسوله المبلغ عنه في نحو قوله:
أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم أحسب الناس أن يتركوا أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم وأمثال ذلك، فسموا المس بالبأساء والضراء، والابتلاء بالزلزال والأعداء، [وعدا] لعلمهم بما لهم عليه عند الله، ولا سيما في يوم الجزاء، وما يعقبه من النصر، عند اشتداد الأمر.
ولما كان هذا معناه التصديق، أزالوا عنه احتمال أن يكون أمرا اتفاقيا، وصرحوا به على وجه يفهم الدعاء بالنصر الموعود به في قولهم عطفا على هذا:
وصدق [مطلقا لا بالنسبة إلى مفعول معين]
الله الذي له صفات الكمال
ورسوله الذي كماله من كماله، أي ظهر صدقهما في عالم الشهادة في كل ما وعدا به من السراء والضراء مما رأيناه. وهما صادقان فيما غاب عنا مما وعدا به من نصر وغيره، وإظهار الاسمين للتعظيم والتيمن بذكرهما.
ولما كان هذا قولا يمكن أن يكون لسانيا فقط كقول المنافقين،
[ ص: 326 ] أكده لظن المنافقين ذلك، فقال سبحانه شاهدا لهم:
وما زادهم أي ما رأوه من أمرهم المرعب
إلا إيمانا أي بالله ورسوله بقلوبهم، وأبلغ سبحانه في وصفهم بالإسلام، فعبر بصيغة التفعيل فقال:
وتسليما أي لهما بجميع جوارحهم في جميع القضاء والقدر، وقد تقدم في قوله تعالى في سورة الفرقان
ويجعل لك قصورا ما هو من شرح هذا.