ولما سلب عن شركائهم أن يملكوا شيئا من الأكوان،
[ ص: 498 ] وأثبت جميع الملك له وحده، أمره صلى الله عليه وسلم بأن يقررهم بما يلزم منه ذلك فقال:
قل من يرزقكم ولما كان كل شيء من الرزق متوقفا على الكونين، وكان في معرض الامتنان والتوبيخ جمع لئلا يدعى أن لشيء من العالم العلوي مدبرا غيره سبحانه فقال:
من السماوات وقال:
والأرض بالإفراد لأنهم لا يعلمون غيرها.
ولما كان من المعلوم أنهم مقرون بأن ذلك لله وحده كما تقدم التصريح به غير مرة، وكان من المحقق أن إقرارهم بذلك ملزم لهم الإخلاص في العبادة عند كل من له أدنى مسكة من عقله، أشار إلى ذلك [بالإشارة] بأمره صلى الله عليه وسلم بالإجابة إلى أنهم كالمنكرين لهذا، لأن إقرارهم به لم ينفعهم فقال:
قل الله أي [الملك الأعلى] وحده، وأمره [بعد إقامة] هذا الدليل [البين] بأن يتبعه ما هو أشد عليهم من وقع النبل بطريق لا أنصف منه، ولا يستطيع أحد أن يصوب إليه نوع طعن بأن يقول مؤكدا تنبيها على وجوب إنعام النظر في تمييز المحق من المبطل بالانخلاع من الهوى، فإن الأمر في غاية الخطر:
وإنا أي أهل التوحيد في العبادة لمن تفرد بالرزق
أو إياكم أي أهل الإشراك به من لا يملك شيئا
[ ص: 499 ] من الأشياء و "أو" على بابها لا بمعنى الواو، أي إن أحد فريقينا على إحدى الحالتين مبهمة غير معينة فهو على خطر عظيم لكونه في شك من أمره غير مقطوع له بالهدى، فانظروا بعقولكم في تعيينه هل هو الذي عرف [الحق] لأهله أو الذي بذل الحق لغير أهله، قال
ابن الجوزي: وهذا كما تقول للرجل تكذبه: والله إن أحدنا لكاذب، وأنت تعنيه تكذيبا غير مكشوف ويقول الرجل: والله لقد قدم فلان، فيقول له من يعلم كذبه: قل إن شاء الله، فيكذبه بأحسن من تصريح التكذيب، يعني ولا سيما بعد إقامة الدليل على المراد ثم مثل المهتدين بمن هو على متن جواد يوجهه حيث شاء من الجواد بقوله:
لعلى هدى أي في متابعة ما ينبغي أن يعمل مستعلين عليه ناظرين لكل ما يمكن أن يعرض فيه مما قد يجر إلى ضلال فتنكبه
أو في ضلال [أي] عن الحق في الاعتقاد المناسب فيه منغمسين فيه وهو محيط بالمبتلى به لا يتمكن معه من وجه صواب:
مبين أي واضح في نفسه داع لكل أحد إلى معرفة أنه ضلال إلا من كان منغمسا فيه مظروفا له، فإنه لا يحس بنفسه وما بينه وبين أن يستبصر إلا أن يخرج منه وقتا ما فيعلم أنه كان في حاله ذلك فاعلا ما لا يفعله
[ ص: 500 ] من له نوع من العقل، ففي هذا حث على النظر الذي كانوا يأبونه بقوله:
قلوبنا في أكنة ونحوه في الأدلة التي يتميز بها الحق من الباطل على أحسن وجه بأنصف دعاء وألطف نداء حيث شرك الداعي نفسه معهم فيما دعاهم إلى النظر فيه، فالمعنى أنه يتعين على كل منا - إذا كان على إحدى الطريقين مبهمة - أن ينظر في أمر ليسلم فإن الأمر في غاية الوضوح مع أن الضال في نهاية الخطر، ولقد كان الفضلاء من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وذوو الأحلام والنهى منهم يقولون ذلك بعد الإسلام
nindex.php?page=showalam&ids=22كخالد بن الوليد nindex.php?page=showalam&ids=59وعمرو بن العاص، وناهيك بهما جلالا، ونباهة وذكاء وكمالا، قالوا: والله كنا نعجب غاية العجب ممن يدخل في الإسلام واليوم [نحن] نعجب غاية العجب ممن يتوقف عنه.