ولما دل سبحانه بملازمتهم للاستهزاء بهذا الإنذار على أنهم غير
[ ص: 508 ] منفكين عن مذاهب الكفار، ذكر تصريحهم بذلك وحالهم في بعض الأوقات المنطبقة عليها الآية السالفة في قوله:
وقال الذين كفروا حيث عبر بالموصول وصلته في موضع الضمير، قطعا للأطماع عن دعائهم:
لن نؤمن أي نصدق أبدا، وصرحوا بالمنزل عليه صلى الله عليه وسلم بالإشارة فقالوا:
بهذا القرآن أي وإن جمع جميع الحكم والمقاصد المضمنة لبقية الكتب
ولا بالذي بين يديه أي قبله من الكتب: التوراة والإنجيل وغيرهما. بل نحن قانعون بما أدبنا به آباؤنا، وذلك أن بعض أهل الكتاب أخبروهم أن صفة هذا النبي عندهم في كتبهم، فأغضبهم ذلك فقالوه:
ولو أي والحال أنك
ترى أي يوجد منك رؤية لحالهم
إذ هم - هكذا كان الأصل - ولكن أظهر الوصف تعميما وتعليقا للحكم به فقال:
الظالمون أي الذين يضعون الأشياء في غير محالها فيصدقون آباءهم لإحسان يسير مكدر بغير دليل، ولا يصدقون ربهم الذي لا نعمة عندهم ولا عند آبائهم إلا منه، وقد أقام لهم أدلة العقل بما ضرب لهم من الأمثال في الآفاق وفي أنفسهم، والنقل بهذا القرآن
[ ص: 509 ] المدلول على صدقه بعد إظهار المعجزات المحسوسات [بعجزهم عنه، فكأنهم سمعوه من الله المنعم الحق
موقوفون أي بعد البعث بما يوقفهم من قدرته بأيدي جنوده أو بغيرها] بأيسر أمر منه سبحانه قهرا لهم وكرها منهم:
عند ربهم أي الذي أحسن إليهم فطال إحسانه فكفروا كلما أحسن به إليهم
يرجع بعضهم أي على وجه الخصام عداوة، [و] كان سببها مواددتهم في الدنيا بطاعة بعضهم لبعض في معاصي الله، قال
القشيري: ومن عمل بالمعاصي أخرج الله عليه كل من هو أطوع له، ولكنهم لا يعلمون ذلك، ولو علموا لاعتبروا، ولو اعتبروا لتابوا وتوافقوا، ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا
إلى بعض القول أي بالملاومة والمباكتة والمخاصمة، لرأيت أمرا فظيعا منكرا هائلا شنيعا مقلقا وجيعا يسرك منظره، ويعجبك منهم أثره ومخبره، من ذلهم وتحاورهم وتخاذلهم حيث لا ينفعهم شيء من ذلك.
ولما كان هذا مجملا، فسره بقوله على سبيل الاستئناف:
يقول الذين استضعفوا أي وقع استضعافهم ممن هو فوقهم في الدنيا وهم الأتباع في تلك الحالة على سبيل اللوم والتأنيب
للذين استكبروا أي أوجدوا الكبر وطلبوه بما وجدوا من أسبابه التي أدت إلى استضعافهم
[ ص: 510 ] للأولين وهم الرؤوس المتبوعون:
لولا أنتم أي مما وجد من استتباعكم لنا على الكفر وغيره من أموركم
لكنا مؤمنين أي عريقين في الإيمان لأنه لم يكن عندنا كبر من أنفسنا يحملنا على العناد للرسل.