ولا تؤمنوا أي توقعوا التصديق الحقيقي
إلا لمن تبع دينكم فصوبوا طريقته وصدقوا دينه وعقيدته.
ولما كان هذا عين الضلال أمره سبحانه وتعالى أن يعجب
[ ص: 458 ] من حالهم منبها على ضلالهم بقوله معرضا عنهم إيذانا بالغضب:
قل إن الهدى هدى الله أي المختص بالعظمة وجميع صفات الكمال، أي لا تقدرون على إضلال أحد منا عنه، ولا نقدر على إرشاد أحد منكم إليه إلا بإذنه، ثم وصل به تقريعهم فقال:
أن بإثبات همزة الإنكار في قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، وتقديرها في قراءة غيره، أي أفعلتم الإيمان على الصورة المذكورة خشية أن
يؤتى أحد أي من طوائف الناس
مثل ما أوتيتم أي من العلم والهدى الذي كنتم عليه أول الأمر
أو كراهة أن
يحاجوكم أي يحاجكم أولئك الذين أوتوا مثل ما أوتيتم
عند ربكم الذي طال إحسانه إليكم بالشهادة عليكم أنهم آمنوا وكفرتم بعد البيان الواضح فيفضحوكم.
ولما كانت هذه الآية شبيهة بآية البقرة
ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينـزل عليكم من خير من ربكم في الحسد على ما أوتي غيرهم من الدين الحق وكالشارحة لها ببيان ما يلبسونه لقصد الإضلال ختمت بما ختمت به تلك، لكن لما قصد بها
[ ص: 459 ] الرد عليهم في كلا هذين الأمرين اللذين دبروا هذا المكر لأجلهما زيدت ما له مدخل في ذلك فقال تعالى مجيبا لمن تشوف إلى تعليم ما لعله يكف من مكرهم ويؤمن من شرهم معرضا عنهم بالخطاب بعد الإقبال عليهم به إيذانا بشديد الغضب:
قل إن الفضل في التشريف بإنزال الآيات وغيرها
بيد الله المختص بأنه لا كفؤ له، فله الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وأتبعه نتيجته فقال:
يؤتيه من يشاء فله مع كمال القدرة كمال الاجتباء، ثم قال مرغبا مرهبا ورادا عليهم في الأمر الثاني:
والله الذي له من العظمة وسائر صفات الكمال ما لا تحيط به العقول ولا تبلغه الأوهام
واسع عليم أي يوسع على من علم فيه خيرا، ويهلك من علم أنه لا يصلح لخير، ويعلم دقيق أمركم وجليله، فلا يحتاج سبحانه وتعالى إلى تنبيه أحد بمحاجتكم عليه عنده.