ولما وصف - سبحانه - نفسه المقدس بالقدرة الكاملة؛ دل على ذلك بما يشاهده كل أحد في نفسه من السعة؛ والضيق؛ مع العجز عن دفع شيء من ذلك؛ أو اقتناصه؛ فقال - مستأنفا؛ أو معللا مستنتجا -:
ما ؛ أي: مهما؛
يفتح الله ؛ أي: الذي لا يكافئه شيء؛ ولما كان كل شيء من الوجود لأجل الناس؛ قال:
للناس ؛ ولما كان الإنعام مقصودا
[ ص: 7 ] بالذات؛ محبوبا؛ وكانت رحمته - سبحانه - قد غلبت غضبه؛ صرح به؛ فقال - مبينا للشرط في موضع الحال من ضميره؛ أي "يفتحه كائنا" -:
من رحمة ؛ أي: من الأرزاق الحسية؛ والمعنوية؛ من اللطائف؛ والمعارف؛ التي لا تدخل تحت حصر؛ دقت؛ أو جلت؛ فيرسلها؛
فلا ممسك لها ؛ أي: الرحمة؛ بعد فتحه؛ كما يعلمه كل أحد في نفسه؛ أنه إذا حصل له خير لا يعدم من يود أنه لم يحصل؛ ولو قدر على إزالته لأزاله؛ ولا يقدر على تأثير ما فيه.
ولما كان حبس النعمة مكروها؛ لم يصرح به؛ وترك الشرط على عمومه؛ بعد أن فسر الشرط الأول بالرحمة؛ دلالة على مزيد الاعتناء بها؛ إيذانا بأن رحمته سبقت غضبه؛ فقال:
وما يمسك ؛ أي: من رحمة؛ أو نعمة؛ بإغلاق باب الخلق عنه؛
فلا مرسل له ؛ أي: الذي أمسكه؛ بمثل البرهان الماضي في الرحمة.
ولما كان ربما ادعى أحد - فجورا - حال إمساك الرحمة؛ أو النقمة؛ أنه هو الممسك؛ قال:
من بعده ؛ أي: بعد إمساكه؛ فمن كان في يده شيء فليمسك ما أتى به الله حال إيجاده بأن يعدمه؛ ولما كان هذا ظاهرا في العزة في أمر الناس؛ والحكمة في تدبيرهم؛ عمم؛ فقال:
وهو ؛ أي: هو فاعل ذلك؛ والحال أنه وحده
العزيز ؛ أي: القادر على
[ ص: 8 ] الإمساك؛ والإرسال؛ الغالب لكل شيء؛ ولا غالب له؛
الحكيم ؛ الذي يفعل في كل من الإمساك؛ والإرسال؛ وغيرهما؛ ما يقتضيه علمه به؛ ويتقن ما أراد؛ على قوانين الحكمة؛ فلا يستطاع نفض شيء منه.