ولما كان هذا من أغرب الأمور؛ وإن غفل عنه؛ لكثرة إلفه؛ نبه على غرابته؛ ومزيد ظهور القدرة فيه؛ بتكرير النافي في أشباهه؛ وعلى أن البصر لا ينفذ إلا في الظلمة؛ تنبيها على أن المعاصي تظلم قلب المؤمن؛ وإن كان بصيرا؛ وقدم الظلمة لأنها أشد إظهارا لتفاوت البصر؛ مع المناسبة للسياق؛ على ما قرر؛ فقال - في عطف الزوج على الزوج؛ وعطف الفرد على الفرد؛ جامعا؛ تنبيها على أن طرق الضلال يتعذر حصرها -:
ولا الظلمات ؛ التي هي مثال للأباطيل; وأكد بتكرير النافي؛ كالذي قبله؛ لأن المفاوتة بين أفراد الظلمة؛ وأفراد النور خفية؛ فقال - منبها على أن طريق الحق واحدة؛ تكذيبا لمن قال من الزنادقة: الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق -:
ولا النور ؛ الذي هو مثال للحق؛ فما أبدعهما - على هذا التضاد - إلا الله (تعالى) الفاعل المختار؛ وفاوت بين أفراد النور
[ ص: 38 ] وأفراد الظلمة؛ فما يشبه نور الشمس نور القمر؛ ولا شيء منهما نور غيرهما من النجوم؛ ولا شيء من ذلك نور السراج؛ إلى غير ذلك من الأنوار؛ وإذا اعتبرت أفراد الظلمات وجدتها كذلك؛ فإن الظلمات إنما هي ظلال؛ وبعض الظلال أكثف من بعض.