ولما كان من أنشأ شيئا كان أعلم به؛ وإتقان صنعه يدل على تمام قدرة صانعه؛ وتمام قدرته ملزوم لتمام علمه؛ قال:
هو ؛ أي: وحده؛ لا شركاؤكم؛ ولا غيرهم؛
الذي جعلكم ؛ أي: أيها الناس؛
خلائف ؛ جمع "خليفة"؛ وهو الذي يقوم بعد الإنسان بما كان قائما به؛ والخلفاء جمع "خليف"؛ قاله
الأصبهاني؛ وقال
القشيري: أهل كل عصر خليفة عمن تقدمهم؛ فمن قوم هم لسلفهم جمال؛ ومن قوم هم أراذل وأندال؛ الأفاضل زمانهم لهم محنة؛ والأراذل هم لزمانهم محنة.
ولما كان المراد توهية أمر شركائهم؛ وكانت تحصل بسلب قدرتهم على ما مكن فيه - سبحانه - العابدين من الأرض؛ أدخل الجار؛ دلالة على أنهم على كثرتهم؛ وامتداد أزمنتهم؛ لا يملؤون مسكنهم بتدبيره؛ لإماتة كل قرن واستخلاف من بعدهم عنهم؛ ولو لم يمتهم لم تسعهم الأرض مع التوالد؛ على طول الزمان؛ وهم في الأصل قطعة يسيرة
[ ص: 67 ] من ترابها؛ فقال:
في الأرض ؛ أي: فيما أنتم فيه منها؛ لا غيره؛ تتصرفون فيه بما قدرتم عليه؛ ولو شاء لم يصرفكم فيه؛ فمن حقه أن تشكروه؛ ولا تكفروه.
ولما ثبت أن ذلك نعمة منه؛ عمرهم فيه مدة يتذكر فيها من تذكر؛ تسبب عنه قوله:
فمن كفر ؛ أي: بعد علمه بأن الله هو الذي مكنه؛ لا غيره؛ واحتقر هذه النعمة السنية؛
فعليه ؛ أي: خاصة؛
كفره ؛ أي: ضرره؛ ولما كان كون الشيء على الشيء محتملا لأمور؛ بين حاله بقوله - مؤكدا لأجل من يتوهم أن بسط الدنيا على الفاجر ربح؛ وإكرام من الله له؛
ولا ؛ أي: والحال أنه لا
يزيد الكافرين ؛ أي: المغطين للحق؛
كفرهم ؛ أي: الذي هم متلبسون به؛ ظانون أنه يسعدهم؛ وهم راسخون فيه؛ غير متمكنين عنه؛ ولذا لم يقل: "لا يزيد من كفر"؛ لأنه قد يكون كفره غير راسخ؛ فيسلم؛
عند ربهم ؛ أي: المحسن إليهم؛
إلا مقتا ؛ أي: لأنه يعاملهم معاملة من يبغض؛ ويحتقر؛ أشد بغض واحتقار.
ولما كان المراد من هذه الصفات في حق الله (تعالى) غاياتها؛ وكان ذكرها إنما هو تصوير لها بأفظع صورها؛ لزيادة التنفير من أسبابها؛ وكانوا ينكحون نساء الآباء؛ مع أنهم يسمونه نكاح المقت؛ نبه على أنهم لا يبالون بالتمقت إلى المحسن؛ فقال - ذاكرا للغاية؛ مبينا أن محط نظرهم
[ ص: 68 ] الخسارة المالية؛ تسفيلا لهممهم؛ زيادة في توبيخهم -:
ولا يزيد الكافرين ؛ أي: العريقين في صفة التغطية للحق؛
كفرهم إلا خسارا ؛ أي: في الدنيا؛ والآخرة؛ في المال؛ والنفس؛ وهو نهاية ما يفعله الماقت بالممقوت.